أقول : ويمكن دفع الإيراد عن مثال الأكثرين بإرادة الجنس ، فيكون التنوين تنوين التّمكن ، ويصحّ المثال الثاني أيضا بإرادة الماهيّة أيضا كما بيّنا سابقا (١) ، فلا حاجة الى جعله من باب العهد الذّهني ، مع أنّه أيضا في معنى النّكرة. ولا يدفع الإشكال ، مع أنّ التقييد بعدم قصد الاستغراق لا فائدة فيه ، إلّا أن يراد دفع توهّم أن يجعل من قبيل : (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ ،)(٢) وإلّا فاللّام داخل على المنفي ، والنفي إنّما يفيد نفي العموم لا عموم النفي ، فهو أوفق بالمطلق من العامّ.
وأمّا ما ذكره المورد (٣) من أنّ معناه حينئذ ... الخ.
ففيه : أنّه إن أراد أنّ مكاتبا ما من المكاتب على سبيل البدل ، والاحتمال مورد للنهي ، ومتعلّق له مع وصف كونه محتملا ، فهو عين النّكرة المنفيّة المفيدة للعموم. وإن أراد بعد اختيار المكلّف تعيينه في ضمن فرد معيّن ، فهو ليس معنى هذا اللّفظ ، بل يحتاج الى تقدير وإضمار ، ومع ذلك فكيف يكون المقيّد بيانا له كما ذكره ، إذ البيان إنّما حصل باختيار المكلّف ذلك الفرد.
وإن أراد جعله من باب : (وَجاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ ،)(٤) فهو مع ما فيه ممّا مرّ (٥) انّه ليس من موضوع المسألة في شيء فيه ، إنّ هذا ألصق بالمثال
__________________
(١) في أوائل هذا القانون أنّ قوله تعالى : (وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ) مطلق وبيع الغرر مقيّد.
(٢) لقمان : ١٨.
(٣) السلطان.
(٤) القصص : ٢٠.
(٥) وهو ما تقدم في هذا العنوان من كون ذلك المثال أي : (وَجاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ) من باب القصص والحكايات ، ومحلّ البحث ليس من هذا القبيل.