فإن قلت : أمثال ذلك لا تكون إلّا من ضروريات الدّين أو المذهب (١).
قلت : إن كنت من أهل الفقه والتتبّع ، فلا يليق لك القول بذلك (٢) ، وإن لم تكن من أهله فاستمع لبعض الأمثلة ، تهتدي إلى الحقّ.
فنقول لك : قل أيّ ضرورة دلّت على نجاسة ألف كرّ من الجلّاب (٣) بملاقاة مقدار رأس إبرة من البول ، فهل يعرف ذلك العوامّ والنّسوان والصبيان ، وهل يعلم ذلك العلماء الفحول من جهة الأخبار المتواترة ، مع أنّه لم يرد خبر واحد فضلا عن المتواتر؟ فإن قلت : إنّهم قالوا في ذلك هذا القول من غير دليل ، فقد جفوت عليهم جدّا.
وإن قلت : دليلهم غير الإجماع من آية أو عقل أو غيره ، فأت به إن كنت من الصّادقين ، وإلّا فاعتقد بأنّ الدّليل هو الإجماع ، بل مدار العلماء في جميع الأعصار والأمصار على ذلك. ووافقنا المنكرون (٤) على ذلك من حيث لا يشعرون ، بل لا تتمّ [يتم] مسألة من المسائل الفقهيّة (٥) من الكتاب والسّنة إلّا بانضمام الإجماع إليه ، بسيطا أو مركّبا ، فانظر إليهم يستدلّون على نجاسة أبوال وأرواث ما لا يؤكل لحمه مطلقا بقوله : «اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه» (٦) مطلقا ، مع أنّ ذلك ليس مدلولا مطابقيّا للّفظ ولا تضمّنيا ولا التزاميا ، إذ
__________________
(١) راجع كلام الوحيد في «الرسائل الأصولية» ص ٢٦٥.
(٢) ان الاجماعيات من الضروريات.
(٣) وهو معرّب كلاب أي ماء الورد.
(٤) للاجماع.
(٥) نقل كما ذكره المحقق البهبهانى في «الرسائل الأصولية» ص ٢٥٦ ـ ٢٦٠ ، وبهذا صرّح غير واحد من المحقّقين راجع «كشف القناع» ص ٣١ ـ ٣٧.
(٦) «الكافي» : ٣ / ٥٧ ح ٣ ، «تهذيب الأحكام» : ١ / ٢٦٤ ح ٧٧٠ ، «الوسائل» : ٣ / ٤٠٥ ح ٣٩٨٨.