والعادة تقتضي بعدم اتّفاق آراء هذا الجمّ الغفير ، المتخالفة المذاق المتباينة المشرب على دليل غير واضح المأخذ كما أشرنا سابقا ، سيّما وأصحابنا لا يعملون بأمثال ذلك (١) ، وإن كان مأخوذا من النصّ ، فهو المطلوب.
نعم ، يظهر الإشكال فيما لو استدلّوا بعلّة غير معلومة المأخذ ، كما استدلّوا في لزوم تقديم الشّاهد والتزكية على اليمين إذا كان المثبت للحقّ هو الشّاهد مع اليمين ، وأنّه لو قدّم اليمين وقعت ملغاة (٢) ، بأنّ وظيفة المدّعي هو البيّنة ، واليمين متمّم.
ويمكن أن يقال : بأنّ هذا أيضا في الحقيقة اتّفاق آخر على أمر شرعيّ ، وهو كون اليمين متلبّسة بوصف المتمميّة ، ولازمه التأخير ، فاتّفاقهم على هذا التعليل أيضا اتّفاق على أمر شرعيّ. فإذا حصل من التتبّع اجتماع السّلف والخلف على أصل الحكم ، فلا يضرّ هذا التعليل ولا يقدح في إمكان دعوى الإجماع ، إنّ هذه العلّة غير واضحة المأخذ ولا دليل على حجّيتها ، لإمكان دعوى الإجماع على أصل العلّة أيضا.
__________________
ـ الى الأخيرين في بحث القياس حيث قال هناك في طرق أقسام القياس : ومنها يخرّج المناط ، ووجه تسميته إبداء مناط الحكم. وحاصله تعيين العلّة في الأصل بمجرّد إبداء المناسبة بينهما وبين الحكم من دون نص أو غيره كالإسكار لتحريم الخمر ويسمى إحالة أيضا ، وأما تحقيق المناط فهو عبارة عن النظر والاجتهاد في وجود العلّة المعلومة علّيتها بنص أو استنباط في الفروع.
(١) كالقياس ونحوه.
(٢) يعني يجب على المدّعي إعادة اليمين بعدهما ، بل يشكل ثبوته في زمان الحضور أيضا ، لأنّه إن علم أنّه قال بمثل ما قال سائر الأئمة فلا معنى للاعتماد على اتفاق سائرهم ، فالمعتمد هو قوله.