نعم ، على ما اختاره (١) من الطريقة لا يتمّ دعوى حصول العلم بالإجماع في أمثال هذا الزّمان ، بل يشكل ثبوته في زمان الحضور أيضا ، إلّا بأن يؤوّل كلامهم بما ذكرنا سابقا ، من أن يراد من حصول العلم بأقوال العلماء حتّى الإمام ، العلم الإجماليّ لا العلم بهم تفصيلا ، حتّى ينتفي فائدة الإجماع. ويكفي في ذلك عدم معرفة آرائهم تفصيلا ، وإن فرض معرفتهم بأشخاصهم مفصّلا لو شاهدهم ولقيهم.
وبالجملة ، إنكار إمكان العلم بالإجماع في هذا الزّمان مكابرة ، وإن كان انعقاده في الأزمنة السّابقة.
وكيف يمكن قبول إمكان حصول العلم بالبديهي بسبب التّسامع والتظافر للعوامّ والخواصّ ، ولا يمكن دعوى العلم النظري للعلماء المتفحّصين المدقّقين.
وبالجملة ، فيمكن حصول العلم الضروري بكون الشيء مجمعا عليه ، والعلم النظري ودونهما الظنّ المتاخم للعلم ، إذ كثيرا ما يحصل لنا الظنّ المتاخم للعلم بكون المسألة إجماعيّة بسبب القرائن والتتبّع العامّ ، ويختلف الحال في اليقين ومراتبه والظنّ ومراتبه بحسب المتتبّعين ، ولعلّ الإجماع الظنّيّ أيضا يكون حجّة كما سنشير إليه فيما بعد ، لو لم يكن هناك دليل أقوى منه.
وإلى ما بيّنا يرجع كلام العلّامة رحمهالله في جواب ما نقله في «المعالم» عن بعض علماء أهل الخلاف ، حيث قال : إنّا نجزم (٢) بالمسائل المجمع عليها جزما قطعيّا ، ونعلم اتّفاق الأمّة عليها علما وجدانيا حصل بالتسامع وتضافر الأخبار عليه.
__________________
(١) صاحب «المعالم».
(٢) هذا هو جواب العلّامة على ما نقل في «المعالم» ص ٣٣٣ على بعض أهل الخلاف ، وقد تقدم نقل عبارة هذا البعض من علماء أهل الخلاف.