ثابت بغيره ، بعيد عن السّداد ، وكذا قول بعض المتكلّمين أنّ القطع بحدوث العالم حاصل من الإجماع المتواتر على حدوثه.
أقول : وفرض تواتر الإجماع وإن كان قلّما ينفكّ عن الضّروري وفرضه بدونه نادر ، سيّما مع كثرة الوسائط ، ولكن يمكن أن يقال في جواب الإشكال.
أمّا أوّلا : فيمنع انحصار التواتر في المحسوسات ، بل يمكن به إثبات غيره (١) أيضا ، فيمكن حصول العلم بمسألة علمية باجتماع كثير من العقلاء الأزكياء ، سيّما مع عدم قيام دليل على بطلان قولهم ، كما استدلّ بعضهم على إثبات الصّانع ووحدته باتّفاق الأنبياء والأوصياء والعلماء قاطبة على ذلك (٢) ، فإنّ العقل يستحيل اجتماع أمثال ذلك على الخطأ.
فكذلك فيما نحن فيه ، إذا نقل جماعة كثيرة يؤمن تواطؤهم على الخطأ ، أقوال المجمعين ، مع دعواهم بمعرفتهم من حالهم ، إذعانهم بما قالوا (٣) ، وانّهم صادقون في ذلك ، فيمكن حصول العلم بصدقهم في نقل القول ، وإصابتهم في إدراك مطابقة قولهم لرأيهم سيّما مع ملاحظة تطابقهم في ذلك (٤) واعتراف كلّ منهم بأنّي مذعن بما قلت. فثبت ممّا ذكرنا أنّه يمكن حصول القطع بالإجماع بنقل هذه الجماعة الكثيرة.
والحاصل ، أنّ ذلك نظير ما يعلم به اتّفاق كلّ العلماء إجمالا في أصل انعقاد الإجماع ، فإنّه كما يمكن حصول العلم باتّفاق الكلّ بسبب العلم برأي أكثرهم وعامّتهم وإن كان ذلك بسبب انضمام القرائن ، فيمكن حصول العلم بتحقّق
__________________
(١) أي يمكن بالتواتر إثبات غير المحسوس كما يمكن به إثبات المحسوس.
(٢) أي على إثبات الصّانع ووحدته.
(٣) دفع لما احتمله من التقيّة ، وقولهم : وانّهم صادقون ، دفع لما احتمله من الكذب.
(٤) أي تطابق المجمعين في إظهار الإذعان وعدم اكتفائهم بمجرّد ذكر الفتوى.