الأخبار عن هذا الحكم ، بخلاف الكتاب ؛ فهو من أغرب الدّعاوي.
فنحن نقول في الكتاب نظير ما قلناه في الأخبار ، وأنّه يجب الفحص عن النّاسخ والمنسوخ والعامّ والخاصّ ، ثمّ يعمل على ما يبقى ظاهرا بعد ذلك ، وهذا لا ينافي جواز العمل بالظواهر على ما هو محلّ النزاع.
وأمّا الاستدلال بما دلّ على حرمة العمل بالظنّ في مثل هذه الظواهر ، فإن كان بالآيات ، ففيه ، وإن كان لا يتمّ إلّا إلزاما (١) ، وإلّا عند هذا المفصّل إن ادّعى أنّ هذا من المحكمات القطعية الدّلالة لا من الظواهر انّ دلالتها ممنوعة ، لظهورها في اصول الدّين. ثمّ قطعيّتها (٢) لأنّها عمومات ، وإطلاقات مخصّصة بالظواهر لما بيّنا من الأدلّة على حجّية الظنّ الحاصل من التخاطب. ثمّ الظنّ الحاصل بعد انقطاع سبيل العلم إلى الأحكام في أمثال زماننا كما سنبيّنه.
ومن جميع ذلك ظهر أنّ حجّية ظواهر القرآن على وجوه ، فبالنسبة إلى بعض الأحوال معلوم الحجّية مثل حال المخاطبين بها ، وبالنسبة إلى غير المشافهين مظنون الحجّية ، وكونها مظنون الحجّية ، إمّا بظنّ آخر علم حجّيته بالخصوص كأن نستنبط من دلالة الأخبار وجوب التمسّك بها لكلّ من يفهم منها شيئا ، وإمّا بظنّ لم يعلم حجّيته بالخصوص ، كأن نعتمد على مجرّد الظنّ الحاصل من تلك الظواهر ولو بضميمة أصالة عدم النقل وعدم التخصيص والتقييد وغير ذلك ، فإنّ ذلك إنّما
__________________
(١) يعني وإن كان استدلال الأخباريين على حرمة العمل بالظّن في مثل هذه الظواهر لا يتمّ لعدم حجّية الكتاب عندهم إلّا أن يكون إلزاما على المجتهدين لأنّهم يقولون بحجّيته ، وإلّا عند هذا المفصّل إن ادعى انّها من المحكمات القطعيّة فإنّه أيضا يقول بحجّية المحكمات القطعيّة. هذا كما في الحاشية.
(٢) أي ثم قطعيّتها ممنوعة.