وأمّا النكتة التي أشرنا إليه ، فهو أنّ المتكلّم إذا أراد النسبة الى الباقي ، فذكره بعنوان الحقيقة يستلزم تعداد أسامي الباقي ، وهو متعذّر غالبا أو متعسّر (١) ، فلا بدّ أن يجعل مقامه شيئا يتمكّن به عن ذلك ، فيطلق عليه نفس العامّ مجازا ، مع نصب قرينة عليه ، وهو الاستثناء وما يجري مجراه من المخصّصات المتّصلة ، أو يأتي باسم آخر للباقي إن كان له اسم ، كما هو موجود في الأعداد ، والعدول في الأعداد من الإسم الى ذكر العامّ. وقرينة الإخراج أيضا لا بدّ أن يكون لنكتة كما في قوله تعالى : (فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عاماً)(٢) ، مع التمكّن عن قوله : تسع مائة وخمسين عاما ، وهو أنّ عدد الألف ممّا يضرب به المثل للكثرة ، والمقام مقام بيان طول المكث.
والحاصل ، أنّ مقتضى إرادة التخصيص اللّائق بكلام الله وأوليائه الذي هو محطّ نظر الأصوليّ ، هو إسناد الحكم الى الباقي في نفس الأمر ، مع تأديته بلفظ قابل للإخراج ، ثمّ الإخراج بملاحظة ظاهر الإرادة وإن لم يكن إخراج في نفس الأمر أصلا.
وما ذكره بعض المدقّقين (٣) في رفع التناقض حيث قال : ولك أن تريد أنّه مخرج عن النسبة الى المتعدّد ، بأن تريد جميع المتعدّد وتنسب الشيء إليه فتأتي بالاستثناء لإخراجه عن النّسبة ، ولا تناقض ، لأنّ الكذب صفة النسبة المتعلّقة
__________________
(١) قال في الحاشية : لا يخفى انّ هذا على تقدير عدم الاسم للباقي وإلا فلا بد فيه من نكتة اخرى ، وسيأتي أنّه إن كان له اسم كما هو موجود في الاعداد ... الخ.
(٢) العنكبوت : ١٤.
(٣) المراد ببعض المدققين هو الفاضل عصام الدّين في حاشيته على «شرح الكافية» ، واختاره شريف العلماء وجمع من تلاميذه كما عن الحاشية.