فعلى المذهب المختار ومذهب الجاحظ ، هو إقرار كما هو مذكور في كتب الفروع ، لأنّه لو لم يكن الحقّ ثابتا لم يكن صادقا إن شهد ، وأمّا على مذهب النّظام فليس إقرارا. انتهى كلامه رحمهالله.
أقول (١) : الذي يظهر لي أنّ مناط الأقوال الثلاثة في جواز وصف الخبر بالصدق والكذب والحكم عليه بأنّه صدق أو كذب عند التحقيق ، هو اعتقاد مطابقة الواقع وعدمه ، فإنّ النّظام أيضا مراده من كون الصدق هو مطابقة الاعتقاد هو كون اعتقاده أنّ هذا الحكم ثابت في الواقع ، فالذي يصفه بالصدق هو ما يعتقد مطابقته للواقع ، وكذلك الجاحظ لا يصف به إلّا ما يعتقده كذلك.
وأمّا المشهور ، فلمّا لم يكن ظهور الواقع إلّا باعتقاد أنّه واقع ، فوصفهم بالصدق إنّما يكون بعد اعتقادهم المطابقة ، فالاعتقاد ممّا لا بدّ من ملاحظته في وصف الخبر بالصدق والكذب.
فإن قلت : إنّ الصدق والكذب أمران نفس الأمريّان (٢) ، والخبر إنّما يتّصف بالصدق والكذب النفس الأمريّين لا ما يعتقد صدقه أو كذبه ، فلو كان شيء مطابقا للواقع واعتقد أحد عدمه وحكم بكذبه ، ثمّ ظهر له فساد اعتقاده ، فيحكم بأنّه كان صادقا. فلو نذر (٣) أحد أن يعطي بمن أخبر بصدق شيئا ، فأعطاه بشخص لم يعتقد في حقّه الصدق لكنّه كان في نفس الأمر صادقا ، فيبرّ نذره إذا ظهر له بعد ذلك انّه كان صادقا ، وبالعكس.
__________________
(١) هذا الكلام مع قوله : ثم اعلم الآتي هو مقدمة لرده على كلام الشيخ البهائي.
(٢) نفس الأمر قد صار لكثرة الاستعمال مركبا مزجيّا بمعنى الواقع فثني لذلك واعرب هنا بالألف رفعا هذا كما في الحاشية.
(٣) هذا أيضا شاهد آخر على وصف الخبر بينهما في الواقع لا في الاعتقاد.