قلت : اتّصافه بما هو كذلك في نفس الأمر إنّما هو في نفس الأمر ، لا عندنا ، والذي يثمر في الفروع هو ما عرفنا اتّصافه به في نفس الأمر واعتقدناه ، وبرّ النذر في الصّورة المفروضة وعدمه في عكسها ، ممنوع ، مع أنّه يجري ذلك على المذهبين الأخيرين أيضا ، فإنّه إذا تغيّر الاعتقاد ، فيحكم النّظام أيضا بخلاف المعتقد في ذلك الخبر ، وكذلك الجاحظ ، فالخبر الموافق للاعتقاد عند النّظام صدق ما دام كذلك ، وإذا تبدّل فيتّصف بالكذب ، بمعنى أنّ ذلك الخبر كذب رأسا ؛ لا أنّه صار كذبا الآن. ولا معنى لكون الخبر صدقا في وقت ، كذبا في آخر ، في نفس الأمر ، بل إنّما ذلك من جهة الاعتقاد.
ثمّ اعلم أنّ معنى قولنا : كتب فلان ، أنّه فعل ما هو كتابة في نفس الأمر ، لا ما هو كتابة عنده ، فلا بدّ في الإسناد من ملاحظة المسند والمسند إليه ثمّ الإسناد ، فالكتابة أمر مستقلّ ملحوظ في ذاته قبل الإسناد ، غاية الأمر أنّه يتقيّد بإدراك لمدرك ضرورة (١) ، يعني أنّ من يلاحظ نسبتها إلى فلان يعرفها ويعلم أنّها كتابته ثمّ يسندها إلى فلان.
إذا عرفت هذا وتأمّلت فيما ذكرنا ، تعلم أنّه لا محصّل للتفريعات التي ذكرها رحمهالله(٢).
لأنّ قول المدّعي : كذب شهودي ، معناه : كذب شهودي في الواقع لا في اعتقاد الشّهود ـ يعني قالوا قولا كاذبا في الواقع ـ (٣) ، على أيّ قول كان من الأقوال
__________________
(١) أي يتقيّد بمعرفة المتكلّم واعتقاده في لحاظ الاسناد ، فالاعتقاد حينئذ من لوازم الإسناد ويؤول بالآخرة الى كونه لازما للكتابة من حيث أسند الى فلان.
(٢) الشيخ البهائي.
(٣) أي غير مطابق للواقع.