الثلاثة ، وهو يستلزم بطلان حقّه على الأقوال الثلاثة ، فإنّ كلّ واحد منها يعتبر فيه اعتقاد مطابقة الواقع وعدمه كما بيّنا.
والحاصل ، أنّ معنى قول المدّعي كذب شهودي ، هو أنّي أعتقد عدم مطابقته للواقع على ما بيّنا لك سابقا (١) ، وهو إقرار ببطلان حقّه ، فإنّ الإقرار أيضا تابع للاعتقاد الواقع ، وكلّما دلّ عليه فهو يثبته وإن لم يقصده ، وليس معنى كذبوا ، أنّهم أخبروا من غير علم واعتقاد (٢) ، فإنّ هذا معنى قولنا : كذبوا في اعتقادهم ، بمعنى قالوا قولا مخالفا لمعتقدهم. وإذا صرّح بهذا المضمون فهو كما ذكره لا يستلزم سقوط الحقّ ، ولكن ليس هذا تفريعا على لفظ الكذب المطلق.
وبالجملة ، كما أنّ نفس المخبر إذا قال : خبري كذب. معناه على مذهب النّظام إنّ خبري غير موافق لاعتقادي ، فكذلك غيره ممّن وصف ذلك الخبر بالكذب ، على هذا المذهب لا بدّ أن يريد أنّه غير موافق لاعتقاده ، وحينئذ فهو إقرار بعدم ثبوته في الواقع كما مرّ.
وتوضيح هذا المطلب : أنّ الخبر كما ذكروه هو كلام كان له خارج يطابقه أو لا يطابقه. والمراد بالخارج هو خارج المدلول وإن كان في الذّهن ، كما أشرنا.
ولا ريب أنّ النّسبة الّتي هو خارج المدلول إمّا هو الّذي مكتوب في اللّوح المحفوظ ، أو ما يدركه المدرك ويزعمه أنّ هو ذلك المكتوب ، وهذا هو الاعتقاد وإن لم يكن مطابقا للمكتوب في الواقع. فحقيقة مذهب المشهور في الصدق هو مطابقة مدلول الكلام والنّسبة الذّهنية الحاصلة منه لما هو مكتوب في اللّوح
__________________
(١) من أخذ الاعتقاد طريقا الى الواقع.
(٢) أي من غير علم واعتقاد بالمخبر به ولو في ضمن الاعتقاد بخلافه بل هو المتعيّن.