فبقي الكلام في أنّ البحث في تفسير اللّفظين والخلاف في معناهما هل هو نزاع لفظيّ بالمعنى المشهور أو نزاع حقيقي؟ وقد عرفت الوجه ، وأنّ الظاهر أنّه ليس بلفظيّ ، لكن لا ثمرة فيه يعتدّ بها.
ثمّ إنّ كلام العضديّ لمّا كان في آخر المبحث قابلا لما ذكرنا لأنّه ذكر المذاهب الثلاثة. ثمّ قال : والذي يحسم النزاع (١) الإجماع على أنّ اليهوديّ إذا قال : الإسلام حقّ ، حكمنا بصدقه ، وإذا قال خلافه حكمنا بكذبه.
وهذه المسألة لفظية لا يجدي الإطناب فيها كثير نفع ، فيمكن تنزيل ما ذكره من كون المسألة لفظية ، إلى ما ذكرنا.
وأمّا كلام غيره ، فلا يمكن تنزيله على ذلك ، بل مرادهم أنّ النزاع في ثبوت الواسطة لفظيّ ، منهم السيّد عميد الدّين في «شرح التهذيب» بل هو الظاهر من ابن الحاجب (٢) ، حيث عقد المسألة لبيان حصر الخبر في القسمين ، ونقل القول بالواسطة عن الجاحظ. وقال في آخر كلامه : وهي لفظيّة ، ومرجع الضمير المسألة المعقودة.
ونقله الفاضل الجواد (٣) في «شرح الزبدة» أيضا وتنظّر فيه ، قال بعد نقل قول الجاحظ بإثبات الواسطة وردّه : واعلم أنّ النزاع في هذه المسألة كاللّفظيّ ، فإنّا
__________________
(١) فالذي يقطع النزاع ، دليلنا على ما ذهبنا اليه من اعتبار الواقع دون الاعتقاد ، بحيث لا يمكن للنظّام الفرار عنه وكذا الجاحظ.
(٢) ابن الحاجب : (٥٧٠ ـ ٦٤٦ ه) عثمان بن عمر بن أبي بكر بن يونس ابو عمرو جمال الدين ابن الحاجب ، من أئمة المالكية ومن كبار علماء اصول الفقه ، له مصنفات مشهورة منها منتهى «السّؤل والأمل في علمي الأصول والجدل». ومختصره الذي سماه «مختصر منتهى السّؤل والأمل في علمي الأصول والجدل». وهذا الكتاب يعد من عيون مراجع اصول الفقه.
(٣) وكذا ذكره في «الفصول» ص ٢٦٦.