نقطع أنّ كلّ خبر فإمّا مطابق للمخبر عنه ، أو لا ، فإن اكتفى في الصدق بالمطابقة كيف كان والكذب بعدم المطابقة كيف كان ، وجب القطع بأنّه لا واسطة ، وإن اعتبر العلم بالمطابقة أيضا في الصدق والعلم بالعدم في الكذب ، يثبت الواسطة بالضّرورة ، وهو الخبر الذي لا يعلم فيه المطابقة (١) ، كذا قيل. وفيه نظر يعلم وجهه بأدنى ملاحظة ، انتهى.
أقول : وجه النظر ، أنّ النزاع في إثبات الواسطة بعينه هو النزاع في معنى الصدق والكذب وليس شيئا على حدة حتّى يتفرّع عليه ويصير النزاع لفظيا (٢) ، فلذلك عدل العضدي عمّا هو ظاهر عبارة ابن الحاجب ، وفسّر اللّفظي (٣) بما هو خلاف المشهور ، وقال : إنّه ليس فيها كثير نفع ، إذ النزاع اللّفظي المصطلح لا نفع فيه أصلا ، لا إنّه قليل النفع ، فأخذ بمجامع المسألة وتوابعها ولوازمها ، ونظر إلى مآل المنازعات ، وجعله نفس الخلاف في معنى الصّدق والكذب ، وقال : إنّه خلاف لغويّ قليل الفائدة.
فقوله : لا يجدي الإطناب فيها كثير نفع ، صفة تقييديّة لا توضيحيّة. ولو كان الفروع التي ذكرها شيخنا البهائي رحمهالله كما ذكره ، لكان فيه نفع كثير (٤) ، فتأمّل في أطراف هذا الكلام ومعانيه وتعمّق النظر في غمار مقاصده ومبانيه ولا تنظر إلى تفرّدي به كأكثر مقاصد الكتاب ، ولا تلحظ إليه بعين الحقارة وإليّ بعين العتاب ، ثمّ بعد ذلك فإمّا قبولا وإمّا إصلاحا وإمّا عفوا ، والله الموفّق للصواب.
__________________
(١) أي ولو لم نعلم بالمطابقة.
(٢) وهذا الكلام في «الفصول» ص ٢٦٦ ، حقّق فيه وكأنّه لم يرتضه بتمامه.
(٣) في كلام ابن الحاجب.
(٤) سواء كانت الصفة تقييدية أو توضيحيّة.