أسّس أساسا وأصّل أصلا وقاعدة يتفرّع عليه فروع كثيرة ، فقد اكتسب في ذلك ، فكلّما ترتّب عنده نتيجة على ما أصّله بسبب علمه به إجمالا ، يصدق أنّه من كسبيّاته ، وإن احتمل أيضا أن يكون مع ذلك إلقاء العلم في روعه بفعل الله تعالى ، ومجرى عادته عقيب إخبار هذا القدر من المخبرين.
وممّا ذكرنا (١) ، ظهر أنّ المتواتر بعد العلم بالتواتر أيضا يمكن أن يكون نظريا ، فضلا عن ابتداء الأمر.
وأمّا الدّليل الثاني (٢) ، ففيه : أنّ العوامّ والصبيان أيضا لهم معلومات نظرية بالضّرورة ، وأنّهم يستفيدون ذلك من المقدّمات ، ويترتّب في نظرهم مقدّمات الدّليل ويحصل لهم النتيجة ، لكنّهم لا يتفطّنون بها من حيث هي كذلك ، والمقدّمات العادية لا إشكال فيها ولا دقّة ؛ بحيث لم تحصل للعوامّ والصبيان ، بل مدار العالم وأساس عيش بني آدم غالبا على المقدّمات العادية التي يفهمها أكثر العقلاء ، وإلّا فلا نجد أحدا من غير العلماء والأزكياء يعلم ضرّه من نفعه وخيره من شرّه ، مع أنّ ذلك مبتن على قاعدة إدراك الحسن والقبح العقليّ ولزوم الاجتناب عن المضارّ وحسن ارتكاب المنافع. والنظريّ هو ما كان العلم به موقوفا على المقدّمتين (٣) ، لا بالعلم بهما (٤). ويظهر ممّا ذكرنا ، الجواب عن الدّليل الثالث (٥) ، فلا نعيد.
__________________
(١) أي من أنّ العلم الحاصل لأجل المقدمات لو تزلزلت المقدمات لتزلزل العلم ، ظهر ... الخ. وفي الحاشية : من قسمي التواتر.
(٢) كان قد احتج بأنّه لو كان نظريّا لما حصل لمن لا قدرة له على النظر كالعوام والصبيان ، فجاء دفعه بكلامه هذا.
(٣) أي على ترتيبها.
(٤) تفصيلا.