واحتجّ القائلون بكونه نظريا : بأنّه لو كان ضروريا لما احتاج إلى توسّط المقدّمتين ، والتالي باطل لأنّه يتوقّف على العلم بأنّ المخبر عنه محسوس ، وأنّ هذه الجماعة لا يتواطئون على الكذب.
وأجيب : بمنع التوقّف على ذلك ، إذ العلم بالصدق ضروري حاصل بالعادة ، ووجود صورة الترتيب للمقدّمتين لا يستلزم الاحتياج إليه ، على أنّ مثل ذلك موجود في كلّ ضروري. فإنّ قولنا : الكلّ أعظم من الجزء ، يمكن أن يقال لأنّ الكلّ مشتمل على جزء آخر غيره ، وما هو كذلك فهو أعظم.
وممّا ذكرنا من بيان التفصيل (٦) يعرف حقيقة الحال ، وأنّ الحقّ هو التفصيل.
وأمّا مذهب الغزّالي فالذي نقل عنه في كتابه «المستصفى» (٧) أنّه قال : العلم الحاصل بالتواتر ضروري ، بمعنى أنّه لا يحتاج إلى الشعور به بتوسّط واسطة مفضية إليه ، مع أنّ الواسطة حاضرة في الذّهن ، وليس ضروريا بمعنى أنّه حاصل من غير واسطة ، كقولنا : الموجود لا يكون معدوما ، فإنّه لا بدّ فيه من حصول مقدّمتين :
إحداهما : أنّ هؤلاء مع كثرتهم واختلاف أحوالهم لا يجمعهم على الكذب جامع.
الثانية : أنّهم قد اتّفقوا على الإخبار عن الواقعة ، لكنّه لا يفتقر إلى ترتيب المقدّمتين بلفظ منظوم ، ولا إلى الشّعور بتوسّطهما وإفضائهما إليه.
__________________
(٥) وهو ما ذكر من حجتهم سابقا : وأيضا يلزم ان لا يعلمه من ترك النظر قصدا إذ كل علم نظري ... الخ.
(٦) أي تعلم أنّ هذا التفصيل ليس على اطلاقه.
(٧) ١ / ١٣١.