وما ورد في عطايا حاتم ، وذلك يتصوّر على وجهين :
الأوّل : أن يذكر تلك الوقائع بحيث تدلّ بالالتزام على الشجاعة والسّخاوة مثل أن يذكر غزوة خيبر بالتفصيل الذي وقع ، فإنّه لا يمكن صدورها بهذا التفصيل والتطويل والمقام الطويل والكرّارية من دون الفرار [الفرارية] ، إلّا عن شجاع بطل قوي بالغ أعلى درجة الشّجاعة ، وهكذا غزوته عليهالسلام في أحد وفي الأحزاب وغيرها ، فباجتماع هذه الدّلالات يحصل العلم بثبوت أصل الشجاعة التي هي منشأ لهذه الآثار ، وهكذا عطايا حاتم.
والفرق بين هذا وسابقه أنّ الدلالة في الأوّل مقصودة جزما ، والأخبار مسوقة لبيان ذلك الحكم الالتزامي ، بخلاف ما نحن فيه ، فإنّه قد لا يكون بيان الشّجاعة مقصودا أصلا ؛ وإن دلّ عليها تبعا ، فحصول العلم فيما نحن فيه ، من ملاحظة كلّ واحد من الأخبار ثمّ تلاحق كلّ منها بالآخر.
والثاني : أن يذكر تلك الوقائع لا بحيث تدلّ على الشّجاعة ، مثل أن يقال : أنّ فلانا قتل في حرب كذا رجلا ، وقال آخر : أنّه قتل في حرب آخر رجلا ، وهكذا ، فبعد ملاحظة المجموع ؛ يحصل العلم بأنّ مثل ذلك الاجتماع ناشئ عن ملكة نفسانية هي الشّجاعة ، وليس ذلك بمحض الاتّفاق ، أو مع الجبن أو لأجل القصاص ونحو ذلك.
وكذلك في قصّة الجود والقدر المشترك الحاصل من تلك الوقائع على النهج السّابق (١) هو كلّي القتل والإعطاء وهو لا يفيد الشّجاعة ولا الجود ، ولكنّ الحاصل من ملاحظة المجموع من حيث المجموع هو الملكتان ، ولعلّ من جعل
__________________
(١) أي أوّل الوجهين كما في حاشية ، وفي اخرى عبّر بالمذكور في طيّ الوجه الرابع الكافل لبيان التضمنيّة فتأمّل.