ولعدم القائل بالفصل ، فمن قال بالجواز ، قال بالوجوب ، وسيجيء تمام الكلام.
ثمّ إنّ هذا الاستدلال إنّما ينهض على من جوّز العمل بالمفاهيم (١) ، وبالظنّ الحاصل من الظّواهر (٢) في مسائل الاصول ، وقد عرفت في المباحث السّالفة (٣) التحقيق فيهما وستعرف في الثاني أيضا.
واعترض أيضا (٤) : بأنّ سبب نزول الآية ، أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله بعث وليد بن عقبة (٥) بن أبي معيط إلى بني المصطلق (٦) مصّدّقا ، فلمّا قرب إلى ديارهم ركبوا مستقبلين فحسبهم مقاتليه فرجع وأخبر رسول الله صلىاللهعليهوآله بأنّهم ارتدّوا ، فنزلت الآية.
وأيضا التعليل بقوله : أن تصيبوا إلى آخره ، إنّما يجري فيه وفي مثله ، لا مطلق الخبر ، والمقصود إثبات حجّية مطلق الخبر.
والأوّل : مردود بما حقّقنا سابقا من أنّ العبرة بعموم اللفظ ، ولفظ فاسق ، وبنبإ ،
__________________
(١) مطلقا في أصول الفقه وغيره.
(٢) وهي مسألة معروفة وهي أنّ الأصول هل يثبت بالظنّ أم لا.
(٣) فقد عرفت في المباحث السابقة من حجّية بعض المفاهيم دون بعض ، وستعرف التحقيق في الثاني أيضا ، أي أنّ مسائل الأصول كالفقه يثبت بالظنّ الثابت الحجّية.
(٤) راجع «العدة» ١ / ١١٣.
(٥) وهو أخو عثمان لأمّه ، وقد ولّاه عثمان الكوفة من بعد سعد بن أبي وقّاص ، وهو في غاية الانحراف والفسق والفجور حتّى صلّى بالناس صلاة الفجر وهو سكران أربعا ، وهو يقول صل أزيدكم.
(٦) وكان بينه وبينهم جناية في الجاهلية ، فلما أخبروا بمجيئه ركبوا إليه تعظيما وإجلالا ووضعوا العداوة في زاوية النسيان ، فلما سمع بهم خاف منهم ورجع وقال : إنّ القوم قد ارتدوا وهمّوا القتل ومنعوا صدقاتهم. فأرسل رسول الله صلىاللهعليهوآله خالد بن الوليد مع الغزاة إليهم وأمرهم بالتبيّن والاحتياط فانطلق حتى أتاهم ليلا فبعث عيونه فعادوا واخبروه بأنّهم على الاسلام وأنّهم سمعوا أذانهم وصلواتهم.