الواجب لا يتصوّر إلّا في أفضل فردي الواجب التخييري ، والمفروض أنّه لا يتصوّر له فرد آخر حينئذ سوى العمل بمقتضى الأصل ، فإنّ الكلام في العمل بخبر الواحد من حيث هو ، لا إذا كان معارضا لظاهر الآية أو الإجماع أو غيرهما ، والتخيير بين العمل بالأصل والعمل بخبر الواحد لا معنى له ، لأنّه إمّا يعتبر مفهوم الأصل في مقابل مفهوم خبر الواحد كليين (١) ، فيقال إنّ المكلّف مختار بين أن يعمل على مقتضى الأصل ، بأن يقول : لا حكم في المسألة بالخصوص من الشّارع ، لأنّ الأصل عدم الحكم الشّرعي ، وبين أن يعمل على مقتضى خبر الواحد ، بأن يقول : ورد في المسألة حكم من الشّارع ، فيرجع هذا إلى التخيير بين الإذعان بثبوت الحكم وعدم ثبوته ، ولكن يستحبّ الإذعان (٢) بثبوت الحكم.
وإمّا يعتبر الأصل الخاصّ في مقابل الخبر الخاصّ ، مثل أن يقول : الأصل براءة الذمّة عن مقتضى الوجوب الذي هو مدلول هذا الخبر الخاصّ مثلا فيقال : أنّ المكلّف مخيّر بين أن يعلم ذمّته بريئة عن هذا التكليف ، وبين أن يعلم ذمّته مشغولة بمقتضى مدلول الخبر ، وعلى أيّ الفرضين لا يصلح جواز اعتقاد الوجوب الذي هو مدلول الخبر.
وما يتوهّم أنّ هذا (٣) من باب التخيير في الرّجوع إلى المجتهدين المخالفين في الرأي أو إلى الخبرين المتعارضين المتساويين من جهة الترجيح ، فهو باطل ، لأنّ التخيير في هاتين الصّورتين إنّما هو في حال الاضطرار وإرشاد بطريقة العمل في صورة جهالة الحكم ، وعدم وجود ما يفيد القطع بالحكم.
__________________
(١) أي على سبيل الكليّة وبلا ملاحظة أصل خاص أو مدلول خبر خاص.
(٢) فلا تخيير بين الواجبين.
(٣) أي هذا التخيير الحاصل بين الأصل ومدلول الخبر الذي به أوّل استحباب الحذر في المقام.