ولا ريب أنّه لا يعلم في هاتين الصّورتين كون خصوص أحد الحكمين من الشارع (١) ، بل يحتمل أن يكون كلّ منهما حقّا ، ولكن لمّا لم يتعيّن ، ولا سبيل إلى العلم ، فرخّص لنا الشّارع حينئذ إلى الأخذ بأيّهما شئنا ، من باب التسليم.
وأمّا فيما نحن فيه ، فليس كذلك ، إذ هو إنشاء الحكم الأوّلي حين حضور الشّارع ، والأصل الثابت بالعقل والشّرع متيقّن الثبوت من الشّرع جزما ، وليس من باب الأحكام الاضطرارية في حال عدم التمكّن ، فالتخيير فيما نحن فيه من باب التخيير بين خصال الكفّارة المصرّح به في الكتاب والسنّة ، لا من باب التخيير الذي دلّنا عليه الإلجاء والاضطرار حين جهالة الحكم.
وهذا التخيير قد يتصوّر بين جواز العمل بالأصل ، وجواز العمل بخبر الواحد ، وقد يتصوّر بين الأصل وخبر الواحد ، والأوّل إنّما هو من باب المسائل الأصولية المبحوث عنها.
والذي يمكن (٢) أن يستدلّ عليه برجحان الحذر المستفاد من الآية على ما بنى عليه المأوّل (٣) ، إنّما هو من باب المسائل الفقهية (٤) المستنبطة من آحاد أخبار الآحاد و ، حمله على الاستحباب إنّما يصحّ إذا قطع النظر عن دلالتها على
__________________
(١) معيّنا من العلم بأنّ أحدهما حكم الشارع وقد انشأه وقرّره في عالم الواقع إلّا انّه اشتبه المعيّن الواقعي بين هذين الحكمين في عالم الظاهر وهذا بخلاف ما نحن فيه.
(٢) أي التخيير الذي.
(٣) وهو سلطان المحقّقين حيث وجّه ندب الحذر بإرجاعه الى صورة احتمال وجود المقتضي وهو على ما زعمه إما الوجوب أو الحرمة في الخبر الدّال على أحدهما ، أو تابع مفسدة الترك أو الفعل ، والقرينة على أنّه بني على كون رجحان الحذر المستفاد من الآية.
(٤) وسيجيء بأن لا معنى للتخيير هنا فما لو كانت المسألة أصولية.