الوجوب مثلا. يعني إذا عارض خبر الواحد للأصل ، فيجوز العمل بكلّ منهما ، لكن يستحبّ اختيار العمل بخبر الواحد ، فهو في معنى التخيير في المطلوب بخبر الواحد بين الإتيان به وعدمه وهو صريح في نفي الوجوب ، ولا يجامع إتيانه على سبيل الوجوب كما توهّمه. فهذا إخراج للخبر عن المدلول الحقيقي.
وأمّا التخيير بين الاعتقاد بجواز العمل بالأصل ، وبين الاعتقاد بجواز العمل بخبر الواحد عند عدم دليل آخر رافع للأصل الذي هو من المسائل الأصولية ، فهو غلط ، إذ لا يتوهّم فيه تعارض وتناقض حتّى يستلزم التخيير وأرجحيّة أحدهما ، فإنّ الاعتقاد بجواز العمل بالأصل قبل العثور على الدليل ، لا ينافي الاعتقاد بجواز العمل بخبر الواحد في الصورة المفروضة.
فإن قلت : نعم (١) ، ولكن اعتقاد جواز العمل بخبر الواحد لا ينافي استحباب العمل.
قلت : بعد ثبوت التكليف في الجملة ، ولزوم الامتثال بالتكاليف ، فكلّ ما يجوز استخراج الحكم منه فيتمكّن من العمل به فيحصل مقدّمة الواجب ، فيجب الإتيان به ، فلا معنى للاستحباب.
فإن قلت : نعم ، ولكن يقدر على استنباطه من الأصل فهو مخيّر بينهما.
قلت : المفروض أنّ الأصل إنّما يصحّ العمل به قبل إمكان معرفة الحكم ، وبعد الإمكان فلا يجوز ، لهذا اشترط الأصوليون في جواز العمل بأصل البراءة الاستقراء والتتبّع ، بل أوجبوا ذلك في العامّ مع أنّه أولى بعدم الوجوب (٢) ، فكيف
__________________
(١) أي لا منافاة لما مرّ إلّا أنّه استدرك بقوله لكن اعتقاد جواز العمل بخبر الواحد لا ينافي استحباب العمل أي بالخبر في مقابل جواز العمل بالأصل.
(٢) أي عدم وجوب الفحص في العام لكونه من الأدلّة اللّفظية التي هي أقوى من الأصل.