وثانيا : إنّ الاعتماد على الإجماع المركّب ، إنّما هو إذا لم يعلم مستند المجمعين. ونحن علمنا أنّ مستند المجمعين من جانب القول بالحجّية هو الآيتان والإجماع ، وقد عرفت حال الآيتين.
وأمّا الإجماع فلم يثبت إلّا في الصدر الأوّل (١) ، ولا معنى حينئذ للتمسّك بعدم القول بالفصل لأحد شطري الإجماع (٢) المركّب ، إذ تحقّق ذلك الشّطر حينئذ إنّما هو بهذا الإجماع البسيط ، ولم يتحقّق إلّا في هذا القدر (٣) ، فليفهم ذلك.
وبالجملة ، عدم إمكان القطع في الفقه في أمثال زماننا غالبا ، ممّا لا يجوز إنكاره في غير الضّروريات ، والضروريات لا تكفينا كما أشرنا (٤) ، وأيضا العمل بالتوقّف أو الفتوى بالتوقّف أيضا يحتاج إلى دليل يفيد القطع ، فإن تمسّكوا فيه بالأخبار الدالّة على ذلك عند عدم العلم ، فمع أنّ تلك الأخبار لا تفيد القطع كما بيّنا لعدم تواترها ، معارضة بما دلّ على أصالة البراءة ولزوم العسر والحرج ، ولو فرض ترجيح تلك الأخبار عليها ، فلا ريب أنّه ترجيح ظنّي أيضا ، مع أنّه قد لا يمكن الاحتياط في العمل ولا التوقّف ، كما لو دار المال بين شخصين ، ولا يقتضي
__________________
(١) نظرا لكثرة المسلمين وانتشارهم في البلدان البعيدة ، وكون الاجماع لا يعلم إلّا بالمشافهة لهم أو التواتر عنهم ، وهما متعذران فيمن بلغ هذا الحد.
(٢) أي شطري مورد الاجماع المركب وهو بالنسبة الى زماننا أيضا.
(٣) يعني أنّ القائلين بالحجّية مطلقا ، لا يمكنهم الاستناد الى الاجماع مطلقا ، لأنّه لم يتحقق إلّا في الصدر الأوّل وهو زمان الصحابة والتابعين ، فيبقى الشطر الآخر وهو الحجّية في أزمنة الغيبة بلا دليل الاجماع.
(٤) أي فلا بد من العمل بالظنّ الحاصل من الأخبار وغيرها لا التوقف والاحتياط. وفيه أنّ ذلك لا يستلزم العمل بها من باب الظنّ المطلق. وبالجملة ، الحق كفاية الظنّ الخاص وعدم الدليل على اعتبار أزيد من ذلك فتأمل ، كما أفاد في الحاشية.