المؤمنين وتضييق الأمر والمفاسد المترتّبة على ذلك ممّا ليس هنا مقام تعداده أيضا حسن ، بل أحسن.
وكذلك الاحتياط في الفتوى والعمل حسن ، لكنّ إقامة المعروف وإغاثة الملهوف ورفع المفاسد وقطع الدّعاوي بين الناس ، والإصلاح بينهم أيضا حسن ، بل أحسن وهكذا.
فإذا ورد عليك مسألة وتردّد أمرك بين أن تحكم فيها بما أدّى إليه ظنّك وأن تحتاط ، فكما تحتاط في الفتوى والعمل بالظنّ من جهة ما دلّك عليه من الآيات والأخبار الدالّة على حرمة العمل بالظنّ وبتذكّرها تثبط (١) عن الدّخول فيه ، فتذكّر حينئذ أيضا ما ورد عليك من الآيات والأخبار الدالّة على إقامة المعروف والإصلاح بين الناس ، وأنّه لا حرج في الدّين ولا عسر ولا ضيق ، وأنّ التسبيب لتلف الأموال والنفوس وتعطيل أحكام الشرع مذموم.
وعليك أن تحتاط من أن يكون ذلك من جهة الوسواس وتسويل الشيطان ، فإنّ الشيطان قد يصير عالما صالحا متنسّكا لأجل تغرير الصّلحاء والعبّاد. ألا ترى إنّه يوسوس في أحكام النجاسات ونيّة العبادات إلى أن يجعل الإنسان متأذّيا عن طاعة الله ، ولا يتعرّض لحال أمر الإنسان في الاجتناب عن المحرّمات المالية وحقوق الناس وغيرها ، فترى الوسواسيين مجتنبين عن الطاهر اليقيني بسبب احتمال قربه بالنجس ، ولا يحتاطون أبدا من أكل لحوم السّوق ، مع ظهور أنّ أكثر الجزّارين ممّا لا يعتمد على دينهم وتقواهم ، بل ولا يدرون كثير منهم مسائل الذّبح والتذكية ، فلعلّه أكل لحم الميتة غالبا ، وكذلك لا يجتنبون عن أكل السّكر ، بل ولبس
__________________
(١) يقال : ثبطه عن الأمر أي أثقله وأقعده قال تعالى : (وَلكِنْ كَرِهَ اللهُ انْبِعاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ) التوبة ٤٦.