إطاعة ، فإذا فهم المكلّف من خطاب الشّارع فهما علميّا بنفس الحكم ، وامتثل به ، فهو جامع للسّعادتين ، أعني الفوز بالمصلحة الخاصّة الكامنة فيه ، والفوز بالمصلحة العامّة التي هي نفس الانقياد والإطاعة.
وإذا فهم فهما ظنّيا على مقتضى محاورة لسان القوم الذي أنزل الله الكتاب وبعث الرّسول عليه ، فهو وإن فقد المصلحة الخاصّة ، لكنّه أدرك المصلحة العامّة ، بل عوّض المصلحة الخاصّة أيضا ، لئلّا يخلو عمله عن الأجر وفاقا للعدل لحصول الانقياد بدونه أيضا.
وبعد ملاحظة هذا السرّ يندفع ما يتوهّم أنّه كيف يجمع هذا مع القول بكون الأحكام ثابتة في نفس الأمر في كلّ شيء على نهج مستقرّ ثابت ، وأنّ التصويب باطل.
والحاصل ، أنّ المقصود بالذّات من الخطاب وإن كان حصول نفس الحكم النفس الأمري ، لكن يظهر من جعل الشارع مناط تفهيمه النطق بالألفاظ التي جرى عادة الله بأنّها لا تفيد اليقين في الأغلب ، أنّه راض بهذا الظنّ ويكتفي به عمّا أراده في نفس الأمر ، لأنّه غير فاقد للمصلحة أيضا كما عرفت.
فهذا الظنّ ممّا علم حجّيته ، وهذا هو الذي اتّفق العلماء على حجّيته من دون خلاف بينهم ، قائلين أنّ الظنّ في موضوعات الأحكام من مباحث الألفاظ وغيرها حجّة إجماعا.
ثمّ إنّ هذا الكلام إذا نقل إلى غير المشافهين المشاركين لهم في التكليف بمقتضاه ، فإن كان نقله بمعناه ، بمعنى أنّ مراده الواقعي صار يقينيا لهم وعلموا أنّه أراد ذلك لا غير ، فلا كلام فيه أيضا. وإن كان نقله بلفظه ، بمعنى أنّه حصل لهم العلم بأنّ هذا هو لفظ الشّارع ، فالإشكال حينئذ في أنّ الظنّ الحاصل لهم من هذا اللفظ القطعي الصّدور ، حجّة عليهم أم لا.