أن يدّعى التبادر فيما لو كان المخرج أقلّ ، وهو علامة الحقيقة.
ولا ريب أنّ أهل العرف يعدّون مثل قول القائل : له عليّ مائة إلّا تسعة وتسعين ، مستهجنا ركيكا ، لا لأنّه إطالة مملّة ، بل لمخالفته لما بلغهم من الاستعمال.
نعم ، قد يقال ذلك في موضع السّخرية والتمليح ، بل وكذلك : له عليّ عشرة إلّا تسعة ، فضلا عن قوله : إلّا تسعة ونصفا ، وثلثا.
وممّا يؤيّد ما ذكرناه ، أنّ المستثنى في معرض النسيان غالبا ، لقلّته ، وأنّ الغالب الوقوع في الاستثناء البدائي ، كما هو الغالب في ألسنة العوامّ هو إخراج القليل ، وليس ذلك إلّا لمطابقته لأصل وضع الاستثناء.
وحينئذ فقد ظهر لك بحمد الله تعالى أنّ التحقيق هو ما حقّقناه سابقا ، من لزوم بقاء جمع قريب من المدلول ، وغفلة الأكثرين إنّما حصل من جهة الأمثلة المذكورة ، وقد عرفت أنّ مجرّد الاستعمال لا يدلّ على الحقيقة كما هو محطّ نظر الأصولي (١).
والحاصل ، أنّه لم يثبت كون الاستثناء حقيقة في غير إخراج الأقلّ ، ولم يثبت جواز التجوّز في المستثنى منه في غير استعماله في الأكثر كما بيّناه آنفا (٢) ، فلا بأس علينا أن نجيب من الأمثلة المذكورة التي استدلّ بها الأكثرون.
ونقول : يمكن دفع الأوّل (٣) بمنع الدلالة من جهة أنّ ظاهر العامّ قابل لأصناف كثيرة ، فإخراج صنف منه يكون أفراده أكثر من سائر الأصناف لا يستلزم كون
__________________
(١) وتعرّض في «الفصول» : ص ١٩٤ لهذا القول.
(٢) وقد تعرّض في «الفصول» : ص ١٩٤ لهذا القول ، فراجعه.
(٣) المراد من قوله تعالى : (إِنَّ عِبادِي).