ووجهه : أنّ أقوال المسلمين وأفعالهم محمولة على الصّدق والصّحة كما حقّق في محلّه (١) ، وذلك يقتضي الاكتفاء بالواحد في الجميع ، وذلك فيما لا يسري حكمه إلى غير المخبر واضح.
وأمّا إذا أوجب تكليفا للغير ، فيعارضه أصالة البراءة عن التكليف ، فلا بدّ في إثبات التكليف من ظنّ بالصدّ أزيد من أصل كونه قول المسلم ، لرفع الظنّ الحاصل بأصل البراءة ، وهو إمّا بعدالة الرّاوي علاوة على الإسلام ، أو بالتثبّت المحصّل للظنّ بالصّدق ، فهذا خبر مثبت للتكليف. وإن كان مع ذلك معارضا بفعل مسلم آخر أو قوله وكان (٢) في واقعة خاصّة فقد ينبغي فيه التعدّد كما في الشّهادة ، فلا بدّ حينئذ من ملاحظة أدلّة حجّية خبر الواحد ، هل تفيد حجّية الخبر المصطلح أو مطلق خبر الواحد. وقد عرفت أنّ آية النفر ظاهرة في الفتوى ، غايته دخول الخبر المصطلح فيه أيضا ، وأمّا غيرهما (٣) فلا.
وأمّا آية النبأ فهو وإن كان أعمّ من ذلك ، لكنّه ينافي ما ذكروه من اشتراط عموم المخبر عنه في الخبر ، فإنّه أعمّ من ذلك ، بل حكاية وليد (٤) الّتي هو شأن نزول الآية ، واقعة خاصّة ، وهي بالشهادة أشبه.
وكيف كان فالشهادة داخلة فيه ، ولذلك استدلّ الفقهاء في ردّ شهادة الفاسق والمخالف بهذه الآية ، وحينئذ فلا دلالة فيها على قبول الواحد ، اذ مقتضاها لا بدّ أن يكون : إن كان عادلا لا يجب التوقّف من حيث تحصيل الصّدق ، بل يجوز العمل به
__________________
(١) للأخبار وظاهر حال المسلم وظاهر العرف الجاري.
(٢) كأنّه عطف تفسيري.
(٣) كالتزكية.
(٤) بن عقبة.