وكذا مع عدمه ، فالقول بالتفصيل لا معنى له ، إذ عدالة الرّاوي إن ثبت بتزكية الواحد فهو عدل يجوز قبول شهادته أيضا والاقتداء به ، وإلّا فلا يقبل في قبول الرّواية أيضا ، لأنّ معنى العدالة شيء واحد ، ولا معنى لكون الشّخص عادلا بالنسبة إلى أمر دون أمر.
وأمّا ما يفهم من كلام الشيخ في «العدّة» (١) من الفرق بين عدالة الرّاوي وغيره ، فمع أنّ مراده أنّ مجرّد الوثوق بالصدق كاف ، لا إنّ محض ذلك عدالة ، وإن كان فاسقا بالجوارح فلا ينفع في محلّ النزاع ، إذ هو مطرح نظر جميع العلماء ، فلا بدّ أن يوافق مذاق الجميع ، فيرجع الكلام في هذا الفرق أيضا إلى أنّ المدار هو حصول الظنّ ، وأنّ مجرّد حصول الظنّ يكفي في الرّواية وهو رجوع إلى الوجه الأوّل ، أعني الاعتماد على الدّليل الخامس وجعل المعيار هو مطلق الظنّ ، ولا يفيد ذلك إثبات اشتراط العدالة في الخبر من حيث إنّه خبر.
والحاصل ، أنّ سبيل العلم بالأحكام الشرعية إذا كان منسدّا ، فالمدار على الظنّ ، والظنّ يحصل بالخبر بمجرّد تعديل واحد. وأمّا إثبات حقوق الله أو حقوق الناس فالمدار فيهما [فيه] على العلم أو البيّنة أو اليمين ، فلم ينحصر المناص فيهما في العمل بمطلق الظنّ (٢) ، فمثل إخبار الطبيب عن إنبات اللّحم وشدّ العظم للرضاع ، وعن كون الصّوم مضرّ للمريض ، وإخبار أهل الخبرة بالقيمة والأرش ونحو ذلك ، فهي مثل الفتوى فيكفي فيها الواحد ، ولا وجه للحكم بوجوب الاثنين ، كما وقع من بعض الفقهاء.
__________________
(١) ١ / ١٥٢.
(٢) وإنّما يلزم فيها من الشاهدين وغير ذلك من الأمور التعبديّة.