إطلاق العادل والفاسق عليه ، فنفس الأمر هنا مقابل مجهول الحال لا مقابل مظنون الفسق والعدالة. ألا ترى أنّا نكتفي في معرفة العدالة بالاختبار والاشتهار وهما لا يفيدان العلم غالبا ، بل العدلان أيضا لا يفيد العلم ، فمن ظننّاه عادلا بأحد الأمور المذكورة فنقول أنّه عادل ، ويؤيّده قوله تعالى : (مِمَّنْ تَرْضَوْنَ)(١) وكذلك المرض المبيح للتيمّم والإفطار وإنبات اللّحم وشدّ العظم وغير ذلك ، فإنّه يطلق على ما هو مظنون أنّه كذلك. والكلام فيها وفي العدالة على السّواء.
سلّمنا لكن لا ريب أنّ مع انسداد باب العلم يكتفى بالظنّ (٢) في الأحكام والموضوعات جميعا ، مع أنّ اشتراط العلم بالعدالة مستفاد من المنطوق ، فلا مانع من تخصيصه بمفهومها حيث أفاد بعمومه قبول خبر العدل الواحد في التزكية.
وما قيل (٣) : إنّ تخصيص المنطوق بالمفهوم ليس أولى من العكس ، بل العكس أولى(٤).
فيدفعه : أنّ المفهوم إذا كان أقوى بسبب المعاضدات الخارجة ، فيجوز تخصيص المنطوق به ، وهو معتضد بالشهرة وغيره من الامور التي ذكرنا ، مع أنّه مخصّص بشهادة العدلين جزما وهو لا يفيد العلم ، وذلك أيضا يوجب وهنا في
__________________
(١) قال تعالى في الآية الكبيرة في الدّين : (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى ...) البقرة ٢٨٢.
(٢) فالظنّ قائم مقام العلم عند الانسداد مطلقا.
(٣) وهو لسلطان العلماء في حاشيته على «المعالم» ص ٣٢٨ ، في مبحث وجوه معرفة الرّاوي.
(٤) اعتبر ان المنطوق أقوى وأولى من المفهوم ، لأنّ المنطوق هو الأصل بينما المفهوم يتبعه فهو تابع للمنطوق.