إلى ذلك : فذات الباري تبارك وتعالى لا تُرى بالعين هذه ، العين الحسّاسة ، وإنّما تُرى بالعقل والفكر والذهن ; إذ التجسّم والتجسّد غير وارد في ذاته عزّوجلّ.
ومن هنا يكون العقل على مفترق طريق سلوك أحد النجدين ، فإذا سلك وادي الانحراف فإنّما زاغ عن الفهم الصحيح رغم أنّ التلقّي واحدٌ من الجميع عبر الحواسّ المعهودة ، فالعمى ـ كما أسلفنا ـ عمى العقل لا عمى العين ، عمى الفكر لا عمى الحواسّ ، عمى المعرفة لا عمى السمع والمشاهدة.
فتحصّل : أنّ الإنسان الذي لا يؤمن بمبدأ القوّة المسيطرة العليا ، الله الواحد الأحد ، هو الذي لم يعقل ولم يفكّر ولم يعرف المعرفة الحقّة ، فهو في الدنيا أعمى وفي الآخرة أعمى ; وذلك لأ نّه استفاد من حركة العقل على ضوء رغبة علميّة خاصّة ، فولد الفكر ناقصاً ، فإنّ التجريبية بدأت ـ مثلاً ـ بنهضة شاملة وثورة كبيرة على مبادئ الغيب والميتافيزيقيا ، وسارت على هذا المنوال بكلّ شراسة وإصرار ، إلى أن أصابها التكسّر مؤخّراً حين فقدت «الميكانيكا» عنفوانها ، وبدا نجم «الاحتمال» يسطع في عالم التجربة ، وهذا يعني بداية العودة إلى المربّع الأوّل ، مربّع القوة المسيطرة العليا الخارجة عن نطاق الطبيعة والإنسان ، المربّع الذي حاربته «التجريبيّة» بضراوة ثم قفلت ترجع إليه شيئاً فشيئاً كرجوع الولد العاقّ إلى والديه تائباً نادما.