ولا شكّ أنّ هذا نوعٌ من الإخبار لا الإنشاء ، وإلاّ فربما يولجنا الحال في مبحث «الجبر والتفويض» حيث «الأمر أمرٌ بين الأمرين».
فالإنسان من جهة : خُلِق حرّاً مخيّراً (إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً) (١) (أَلَمْ نَجْعَل لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ) (٢) لكنّه غالباً ما يتّبع هواه فيضلّ عن السبيل السوي ، وهذه الضلالة بإرادته ، وإلاّ فلو شاء لآمن وعمل صالحاً.
ومن جهة اُخرى : هو محكوم بقوانين واُمور لا يمكن له تجاوزها.
إنّ هذه «الرؤية» تغنينا عن نزاعات الألفاظ ومعاركها المعقّدة التي قد تبعدنا عن محور البحث بدل الحصول على نتائج معرفيّة واضحة الأدوات والمحتوى والمعالم قد تدنينا من الفهم السليم والإيمان الصحيح.
نعم ، لقد اختصر الإمام الحسين (عليه السلام) فلسفة الحياة في هذه اللوحة الدلاليّة الكبرى ، حين خطّها ونقشها في يوم عزيز على المسلمين والمؤمنين ، يوم عرفة المقدّس ; إذ الإنسان المسلم الخارج عن مظاهر الدنيا ومفاتنها ، الداخل في الفضاء القدسي الروحاني بذلك الحال والملبس الذي يذكّره بيوم البعث والنشور ، الآتي من كلّ فجٍّ عميق ليشهد منافعه الاُخرويّة ، ليلمس حصاده (وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَد) (٣) ... وإذا بملحمة ريحانة المصطفى تهزّ مسامعه وحناياه وعقله ، حين تدعو الفكر
__________________
١. سورة الإنسان : ٣.
٢. سورة البلد : ٨ ـ ١٠.
٣. سورة الحشر : ١٨.