المؤلّف إن كان موجوداً. وهذا ناشئ من مقدّمات مفادها : إنّ الإقدام على تحقيق المشروع يعني التسليم بالنفع والفائدة التي يتركها انتشاره على الأوساط العلميّة والثقافيّة ، فالمؤلِّف والمؤلَّف مقبولان ، وقبولهما يستدعي الدفاع عنهما غاية الإمكان.
فليس الميدان ميدان الأفكار والرؤى والإبداعات المعرفيّة والعلميّة بقدر ما هو نقل مشروع منجز من ظرف إلى ظرف آخر ، ومهما بلغت الجهود والمساعي العقليّة والفنّيّة من رقيٍّ فإنّها لا تتجاوز حدود الموجود من المشروع ، بمعنى : أنّ المشروع التحقيقي هو الذي يتحكّم فينا ويرسم لنا خارطة الطريق ويوجّه أفكارنا وقوانا ومواهبنا ، فلا يقودنا إلى اكتشاف أو اختراع أو ابتكار كالتي يقودها البحث العلمي المعرفي المستجمع للشرائط والمعايير المنهجيّة.
إنّنا إذن أشبه بالفرقة الموسيقيّة التي تنفّذ مقطوعة أو سمفونيّة صاغها صانعها وابتكرها ولم يعهد لنا سوى بإجرائها ، فمرّة نجريها في القرن السادس عشر واُخرى في القرن الحادي والعشرين بتفاوت الأدوات والآليات ، دون الخروج عن النصّ والتجاوز عليه ، وليس لنا سوى العواطف والمشاعر والأحاسيس التي تتحرّك وتموج على الأنغام والألحان مع كلّ البعد عن الإبداع والابتكار.
إنّ فضاء التحقيق فضاءٌ محدود ، فيه من القيود والشروط والتعبّد ما قد يمرّن العقل والشعور على التأطّر والانحسار ، ولا يمكن مقارنته بفضاء