بل البحث إنّما يحوم حول التحقيق بحاله النوعي ، وما التركيز على الجماعي منه الذي اُكثر الإشارة إليه بين الفينة والاُخرى إلاّ بسبب الممارسة الميدانيّة التي قاربت الثلاثة عقود ، مع ما لي من تجارب في مجال الفردي منه أيضاً ..
يحوم حول أنّ التحقيق ـ سواء كان فنّاً أو علماً أو مهنة ... ـ يُقصِر الجهد العلمي والمعرفي والثقافي ويُمحوِر العزم والهمّة والرغبة والصبر والشوق والعشق والأمانة ... على نتاجات جاهزة تَكلَّفَ عناءها آخرون ، فإنّنا نحوم إذن حول أفكار غيرنا ونغور فيها ونبذل ونوظّف ما لدينا من إمكانيّات عقليّة وشعوريّة كي تطلّ تلك النتاجات بحلّة جديدة.
وعلى الرغم من الإجلال والاحترام النوعي لآثار الماضين من العلماء والمفكّرين وما جادت به أذهانهم ورؤاهم وبصائرهم من معاني وأفهام لازالت ساطعة في سماء العلم والمعرفة ، يُقتبس منها الكثير ويُستفاد منها كمصادر ومراجع لا غنى عنها أبداً ..
إلاّ أنّ الإنسان المحقّق مهما علا وتأ لّق يبقى أسير أفكار ورواشح غيره ، تابعاً مقيّداً بسلسلة شروط صارمة تسلب منه حقّ التحليق في فضاء الفكر الحرّ أو حتى النقد العلمي البنّاء ، لذا فإنّ المواهب والرؤى والأفكار لا تنمو ولا تتبلور إلاّ بمقدار ما يتيح لها «التحقيق» من النموّ والتبلور ، حدّها إلى الخطوط الحمراء ، الخطوط التي يُعدّ تجاوزها مخالفةً للأمانة وموضوعيّة التحقيق.