إلى ذلك : فالمحقّق يبقى لاهثاً بمحاولات خلف أفهام مهما ألقت وتسنّمت فهي تدور في فضاء «النسبي في النسبي» وخصائصه ، ولاسيّما تأ ثّره الزمكاني الذي قد يشكّل عائقاً أمام بزوغه من جديد بتلك العظمة والهيبة والحاجة.
لذا يبقى «التحقيق» صنعةً ثقافيّةً مرحليّةً بالنسبة لإنسان يسعى في مطامحه توظيفَ العقل لصناعة الأفكار وإبداعها وابتكارها ; حيث متابعة سائر الأفكار المصنوعة سلفاً وتجهيزها وعرضها في أروقة العلم والمعرفة لا يُعدّ بذاك الفتح والإنجاز الذي يُشار له بالبنان .. ولاسيّما أنّ التمرّن والإدامة والتمحّض في السير خلف نتاج الآخرين سيكبّل ويميت أو يكسّل فرصة العطاء الذاتي ويظلّ العقل لا يعرف إلاّ المضايفة والتزاوج مع النتاجات الاُخرى ; كونه مسلوب القدرة على الإنتاج والإبداع.
إنّنا لا ننكر على التحقيق ـ لما فيه من الخصائص السامية كالدقّة والضبط والأناة والعشق والأمانة والتتبّع والفنّ والجمال والعلم والمعرفة والثقافة وحركة الفكر والاستشارة وغيرها ـ آثاره الجليلة على العقل والمشاعر والأخلاق وبناء الذات ; فهو يمنح الفرد المحقّق فرص التمسّك بالموازين والقيم والمبادئ العلميّة والأخلاقيّة ، ويشيد فيها خصائص المراجعة والاستقراء والتحليل والمقارنة والحفر والاستنطاق والاستنتاج ، القائمة على الدقّة والصبر والضبط المزيّنة بالعوامل الفنيّة والجماليّة ، فهو ـ التحقيق ـ يهيّىء الأفكار الطامحة نحو مقاصدها الكبيرة ومراميها الأساسيّة ، وبذلك يمكن عدّه نقطة انطلاق هامّة في حياة الفكر والمعرفة