وممّا يميّز دور وعمل مقوّم النصّ نهوضه بأعباء ومهامّ ثقيلة في آن واحد ; حيث يقرأ النصّ قراءةً علميّةً دقيقةً تستدعي فهماً ودركاً تامّاً للمطلب والجملة والكلمة ، وجرّاء ذلك الفهم يعمد إلى توزيع النصّ فنّيّاً مع ملاحظة المسائل النحويّة والإعرابيّة والإملائيّة واختلاف النسخ وضبط الأسانيد والكلمات الغامضة والمواضع المفتقرة إلى نوع بيان هامشياً ، والنظر في الاستخراجات ومصادرها ومراجعة بعضها إذا اقتضت الضرورة ، ولاسيّما حين الاستعانة بها في ضبط المتن أو الشكّ بها وحصول التردّد من وجود المطلب المشار إليه في المتن فيها وعدمه .. وسائر الجهات التي لابدّ من مراعاتها ليأخذ النصّ شكله النهائي.
ولا تتناسب السرعة والعجلة مع خصائص مقوّم النصّ ، فلابدّ أن يكون متعمّقاً متأنيّاً دقيقاً في استيعاب النصّ وفهمه كي يتمكّن من اتّخاذ القرار الحاسم في التغيير أو الإبقاء ، الحذف أو الإضافة ، الإشارة وعدمها ، البيان هامشيّاً وعدمه.
ولا يلتفت مقوّم النص إلاّ إلى النصّ فقط ، ولا يهمّه كثيراً كون المؤلّف فلاناً أو فلاناً ، بل الذي يهمّه صحّة النصّ من عدمها ، نقصه أو الإضافة فيه ، إبهامه أو وضوحه ... ففي ذات الوقت الذي يمتلك فيه الجرأة على الإقدام فهو يمتلك أرقى مراتب الحيطة الحذر والاحتياط ; إنّه يميل بميل الدليل ولا يكترث بغير ذلك.
إنّ عمليّة تقويم النصوص لو جرت طبق الموازين الصحيحة