الأول ـ ولعله الأظهر ، كما هو بين علمائنا أشهر ـ تخصيص الاخبار الدالة على وجوب طلب الرزق بهذه الأخبار الدالة على وجوب طلب العلم ، بان يقال بوجوب ذلك على غير طالب العلم المشتغل بتحصيله واستفادته أو تعليمه وافادته.
وبهذا الوجه صرح شيخنا الشهيد الثاني في كتاب «منية المريد في آداب المفيد والمستفيد» حيث قال في جملة شرائط تحصيل العلم ما لفظه :
«وان يتوكل على الله ويفوض أمره اليه ولا يعتمد على الأسباب فيوكل إليها وتكون وبالا عليه ، ولا على أحد من خلق الله تعالى ، بل يلقى مقاليد امره الى الله تعالى في امره ورزقه وغيرهما يظهر له من نفحات قدسه ولحظات أنسه ما يقوم به أوده ، ويحصل مطلوبه ، ويحصل به مراده. وقد ورد في الحديث عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم «ان الله تعالى قد تكفل لطالب العلم برزقه خاصة عما ضمنه لغيره» بمعنى ان غيره يحتاج إلى السعي على الرزق حتى يحصل غالبا ، وطالب العلم لا يكلف بذلك بل بالطلب ، وكفاه مؤنة الرزق ان أحسن النية وأخلص العزيمة ، وعندي في ذلك من الوقائع والدقائق ما لو جمعته بلغ ما يعلمه الله تعالى من حسن صنيع الله بي وجميل معونته ، منذ اشتغلت بالعلم وهو مبادي عشر الثلاثين وتسعمائة ، إلى يومي هذا ، وهو منتصف شهر رمضان سنة ثلاث وخمسين وتسعمائة وبالجملة ليس الخبر كالعيان.
وروى شيخنا المقدم محمد بن يعقوب الكليني ـ بإسناده إلى الحسين بن علوان ، قال : كنا في مجلس نطلب فيه العلم وقد نفدت نفقتي في بعض الاسفار ، فقال لي بعض أصحابنا : من تؤمل لما قد نزل بك؟ فقلت : فلانا : فقال : إذا والله لا تسعف حاجتك (١) ولا يبلغك أملك ، ولا تنجح طلبتك! قلت : وما علمك رحمك الله؟ قال ان أبا عبد الله عليهالسلام : حدثني أنه قرأ في بعض الكتب : ان الله تبارك وتعالى يقول وعزتي وجلالي ومجدي وارتفاعي على عرشي ، لأقطعن أمل كل مؤمل (من الناس) غيري باليأس ، ولأكسونه ثوب المذلة عند الناس ولأنحينه من قربى ، ولأبعدنه من فضلي ، أيؤمل
__________________
(١) اى لا تقضى.