أقول : لا يخفى ان الذي حصل من فعل السحرة يومئذ ، هو كون تلك الحبال والعصي التي ألقوها حيات تتحرك ، ومن الظاهر ان الحركة الثابتة لها ناشئة من الزيبق بعد طلوع الشمس عليها ، واما كونها حيات في نظر الناظر إليها يومئذ بهذا ، هو الذي حصل به السحر في أعين الناس حيث انهم بعد رؤيتها حبالا أولا وعصيا ، صارت حيات في نظرهم ثانيا ، وأكد ذلك حركتها ، فكونها حيات في نظرهم لا بد من حمله على مجرد التخيل والتوهم ، الذي نشأ من سحرهم ولذلك قال سبحانه : «يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى» (١). ولانه لو أمكن الساحر ان يقلب حقيقة من الحقائق إلى حقيقة أخرى ، لزم مشاركته لله تعالى في الخلق ، وهو باطل عقلا ونقلا ، ولأمكن أن يعيد نفسه من الهرم الى الصغر ، ويدفع عن نفسه الأسقام والالام ، والكل مما يقطع ببطلانه عند جملة الأنام.
وقد ورد في حديث الزنديق الذي سأل الإمام الصادق عليهالسلام المروي في الاحتجاج (٢) ، قال : أفيقدر الساحر ان يجعل الإنسان بسحره في صورة الكلب والحمار أو غير ذلك؟ قال : هو أعجز من ذلك وأضعف من ان يغير خلق الله سبحانه ، ان من أبطل ما ركبه الله تعالى وصوره فهو شريك الله تعالى في خلقه ، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ، لو قدر الساحر على ما وصفت ، لدفع عن نفسه الهرم والآفة والمرض ، ونفى البياض عن رأسه ، والفقر عن ساحته. وقال عليهالسلام في الحديث المذكور لما سأله الزنديق فيما سأله ، فقال : أخبرني عن السحر ما أصله ، وكيف يقدر الساحر على ما يوصف من عجائبه وما يفعل؟ قال عليهالسلام : ان السحر على وجوه شتى ، وجه منها بمنزلة الطب ، كما ان الأطباء وضعوا لكل داء دواء فكذلك علم السحر ، احتالوا لكل صحة آفة ، ولكل عافية عاهة ، ولكل معنى حيلة ، ومنه نوع آخر : خطفة وسرعة ومخاريق وخفة ونوع منه ما يأخذ أولياء الشياطين منهم. قال : من اين علم الشياطين السحر؟ قال : من حيث عرف الأطباء الطب ،
__________________
(١) سورة طه : ٦٦.
(٢) احتجاج الطبرسي ج ٢ ص ٨١ ـ ٨٢ طبعة النجف الأشرف.