فان حكم الغصب باق فيكون هو مؤاخذا لجميع تصرفاته دينا ودنيا ، اما الأول فبالمعاقبة واما الثاني فبوجوب إرجاع كل حق الى مستحقه.
(الرابع) : ما أجابوا به عن النهي بأنه لا يستلزم الفساد في المعاملات ، فهو وان كان مشهورا بينهم ، إلا انا كثيرا ما نرى عقودا قد حكموا ببطلانها بسبب النهى الوارد في الروايات ، ومن تتبع كتاب النكاح ، وكتاب البيع فيما حرموه من بيع الخمر والكلب والخنزير ونحوها ، ظهر له ذلك ، وما ذكروه من هذه الكلية انما هو اصطلاح أصولي لا تساعد عليه الآيات والروايات على إطلاقه ، كما لا يخفى على من اعطى المسألة حقها من التتبع.
* * *
والذي يخطر بالبال في الجمع بين ما ذكروه ـ من هذه القاعدة ـ وبين ما ورد من الاخبار الدالة على النهى ، وحكم الأصحاب بالفساد عملا بمضمونها ، ان يقال :
ان النهى الواقع من الشارع عليهالسلام في ذلك العقد اما ان يكون باعتبار عدم قابلية المعقود عليه لذلك كالكلب والخنزير ونجس العين ونحوها في البيع مثلا. وإحدى المحرمات ونحوها في النكاح مثلا ، وحينئذ لا إشكال في الفساد.
أو يكون باعتبار أمر خارج ، مثل كون ذلك في زمان مخصوص أو حال مخصوصة أو نحو ذلك من الأمور الخارجية عن العوضين المتقابلين فربما يقال بما ذكروه وتخص القاعدة المذكورة بهذا الفرد كالبيع وقت النداء ، فإن النهي عنه وقع من حيث الزمان ، فيقال بصحة البيع لعدم تعلق النهى بذات شيء من العوضين ، باعتبار عدم قابليته للعوضية ، بل وقع باعتبار أمر خارج من ذلك ، وان أثم باعتبار إيقاعه في هذا الزمان المنهي عن الإيقاع فيه. وما نحن فيه انما هو من قبيل الأول ، لأن الظاهر ان توجه النهي اليه انما هو من حيث عدم صلاحية المعقود عليه لذلك ، لكونه تصرفا في مال الغير بغير اذنه ، وهو قبيح عقلا ونقلا كتابا وسنة. واذن المالك أخيرا على تقدير وقوعه لا يخرج تلك التصرفات عن كونها غصبا كما تقدم بيانه في الموضع الثالث.