العرف ؛ ولذلك فهو من المجاز الّذي ليست له حقيقة. وأمّا كون الله هو موجد الأشياء كلّها فذلك ليس ممّا تترتّب عليه حقيقة ومجاز ؛ إذ لو كان كذلك لكان غالب الإسناد مجازا عقليا ، وليس كذلك ، وهذا ممّا يغلط فيه كثير من النّاظرين في تعيين حقيقة عقليّة لبعض موارد المجاز العقلي. ولقد أجاد الشيخ عبد القاهر إذ قال في «دلائل الإعجاز» «اعلم أنّه ليس بواجب في هذا أن يكون للفعل فاعل في التّقدير إذا أنت نقلت الفعل إليه صار حقيقة فإنّك لا تجد في قولك : أقدمني بلدك حقّ لي على فلان ، فاعلا سوى الحقّ» ، وكذلك في قوله :
وصيّرني هواك وبي |
|
لحيني يضرب المثل |
وـ يزيدك وجهه حسنا.
أن تزعم أن له فاعلا قد نقل عنه الفعل فجعل للهوى وللوجه» اه. ولقد وهم الإمام الرازي (١) في تبيين كلام عبد القاهر فطفق يجلب الشّواهد الدّالة على أنّ أفعالا قد أسندت لفاعل مجازي مع أنّ فاعلها الحقيقي هو الله تعالى ، فإنّ الشّيخ لا يعزب عنه ذلك ولكنّه يبحث عن الفاعل الّذي يسند إليه الفعل حقيقة في عرف النّاس من مؤمنين وكافرين. ويدلّ لذلك قوله : «إذا أنت نقلت الفعل إليه» أي أسندته إليه.
ومعنى المسارعة في الكفر إظهار آثاره عند أدنى مناسبة وفي كلّ فرصة ، فشبّه إظهاره المتكرّر بإسراع الماشي إلى الشيء ، كما يقال : أسرع إليه الشيب ، وقوله : إذا نهي السفيه جرى إليه. وعدّي بفي الدالّة على الظرفية للدلالة على أنّ الإسراع مجاز بمعنى التوغّل ، فيكون (في) قرينة المجاز ، كقولهم : أسرع الفساد في الشيء ، وأسرع الشيب في رأس فلان. فجعل الكفر بمنزلة الظّرف وجعل تخبّطهم فيه وشدّة ملابستهم إيّاه بمنزلة جولان الشّيء في الظرف جولانا بنشاط وسرعة. ونظيره قوله (يُسارِعُونَ فِي الْإِثْمِ) [المائدة : ٦٢] ، وقوله : (نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ) [المؤمنون : ٥٦] ، (أُولئِكَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ) [المؤمنون : ٦١]. فهي استعارة متكرّرة في القرآن وكلام العرب. وسيجيء ما هو أقوى منها وهو قوله : (يُسارِعُونَ فِيهِمْ) [المائدة : ٥٢].
وقوله : (مِنَ الَّذِينَ قالُوا آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ) إلخ بيان للّذين يسارعون في الكفر. والّذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم هم المنافقون.
__________________
(١) في كتابه «نهاية الإيجاز».