أي شددت بالطعنة كفّي ، أي ملكتها بكفّي ، وقال النّبيء صلىاللهعليهوسلم لعيينة بن حصن «أو أملك لك أن نزع الله من قلبك الرّحمة». وفي حديث دعوة الرّسول صلىاللهعليهوسلم عشيرته «فإنّي لا أغني عنكم من الله شيئا».
و (شَيْئاً) منصوب على المفعولية. وتنكير (شَيْئاً) للتقليل والتّحقير ، لأنّ الاستفهام لمّا كان بمعنى النّفي كان انتفاء ملك شيء قليل مقتضيا انتفاء ملك الشيء الكثير بطريق الأولى.
والقول في قوله : (أُولئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ) كالقول في قوله : (وَمَنْ يُرِدِ اللهُ فِتْنَتَهُ). والمراد بالتطهير التهيئة لقبول الإيمان والهدى أو أراد بالتطهير نفس قبول الإيمان.
والخزي تقدّم عند قوله تعالى : (إِلَّا خِزْيٌ) في سورة البقرة [٨٥] ، وقوله : (رَبَّنا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ) في سورة آل عمران [١٩٢].
وأعاد (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ) للتّأكيد وليرتّب عليه قوله (أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ).
ومعنى (أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ) أخّاذون له ، لأنّ الأكل استعارة لتمام الانتفاع. والسحت ـ بضمّ السين وسكون الحاء ـ الشيء المسحوت ، أي المستأصل. يقال : سحته إذا استأصله وأتلفه. سمّي به الحرام لأنّه لا يبارك فيه لصاحبه ، فهو مسحوت وممحوق ، أي مقدّر له ذلك ، كقوله (يَمْحَقُ اللهُ الرِّبا) [البقرة : ٢٧٦] ، قال الفرزدق :
وعضّ زمان يا ابن مروان لم يدع |
|
من المال إلّا مسحت أو مجنّف |
والسحت يشمل جميع المال الحرام ، كالربا والرّشوة وأكل مال اليتيم والمغصوب.
وقرأ نافع ، وابن عامر ، وعاصم ، وحمزة ، وأبو جعفر ، وخلف «سحت» ـ بسكون الحاء ـ وقرأه الباقون ـ بضمّ الحاء ـ اتباعا لضمّ السّين.
(فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئاً وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ).
تفريع على ما تضمّنه قوله تعالى : (سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ) وقوله : يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هذا فَخُذُوهُ) ، فإنّ ذلك دلّ على حوار وقع بينهم في إيفاد نفر منهم إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم للتحكيم في شأن من شئونهم مالت أهواؤهم إلى تغيير حكم التّوراة فيه