الجاهلية ، فمن أصاب صيدا في الحرم منهم كانوا يضربونه ويسلبونه ثيابه ، كما تقدّم آنفا.
وتعليق حكم الجزاء على وقوع القتل يدلّ على أنّ الجزاء لا يجب إلّا إذا قتل الصيد ، فأمّا لو جرحه أو قطع منه عضوا ولم يقتله فليس فيه جزاء ، ويدلّ على أنّ الحكم سواء أكل القاتل الصيد أو لم يأكله لأنّ مناط الحكم هو القتل.
وقوله (مُتَعَمِّداً) قيد أخرج المخطئ ، أي في صيده. ولم تبيّن له الآية حكما لكنّها تدلّ على أنّ حكمه لا يكون أشدّ من المتعمّد فيحتمل أن يكون فيه جزاء آخر أخفّ ويحتمل أن يكون لا جزاء عليه وقد بيّنته السنّة. قال الزهري : نزل القرآن بالعمد وجرت السنّة في الناسي والمخطئ أنّهما يكفّران. ولعلّه أراد بالسنّة العمل من عهد النبوءة والخلفاء ومضى عليه عمل الصحابة. وليس في ذلك أثر عن النبي صلىاللهعليهوسلم.
وقال مالك ، وأبو حنيفة ، والشافعي ، وجمهور فقهاء الأمصار : إنّ العمد والخطأ في ذلك سواء ، وقد غلّب مالك فيه معنى الغرم ، أي قاسه على الغرم. والعمد والخطأ في الغرم سواء فلذلك سوّى بينهما. ومضى بذلك عمل الصحابة.
وقال أحمد بن حنبل ، وابن عبد الحكم من المالكية ، وداود الظاهري ، وابن جبير وطاوس ، والقاسم بن محمد ، وسالم بن عبد الله ، وعطاء ، ومجاهد : لا شيء على الناسي. وروي مثله عن ابن عباس.
وقال مجاهد ، والحسن ، وابن زيد ، وابن جريج : إن كان متعمّدا للقتل ناسيا إحرامه فهو مورد الآية ، فعليه الجزاء. وأمّا المتعمّد للقتل وهو ذاكر لإحرامه فهذا أعظم من أن يكفّر وقد بطل حجّه ، وصيده جيفة لا يؤكل.
والجزاء العوض عن عمل ، فسمّى الله ذلك جزاء ، لأنّه تأديب وعقوبة إلّا أنّه شرع على صفة الكفّارات مثل كفارة القتل وكفارة الظهار. وليس القصد منه الغرم إذ ليس الصيد بمنتفع به أحد من الناس حتى يغرم قاتله ليجبر ما أفاته عليه. وإنّما الصيد ملك الله تعالى أباحه في الحلّ ولم يبحه للناس في حال الإحرام ، فمن تعدّى عليه في تلك الحالة فقد فرض الله على المتعدّي جزاء. وجعله جزاء ينتفع به ضعاف عبيده.
وقد دلّنا على أنّ مقصد التشريع في ذلك هو العقوبة قوله عقبه (لِيَذُوقَ وَبالَ أَمْرِهِ). وإنّما سمّي جزاء ولم يسمّ بكفّارة لأنّه روعي فيه المماثلة ، فهو مقدّر بمثل العمل فسمّي جزاء ، والجزاء مأخوذ فيه المماثلة والموافقة قال تعالى : (جَزاءً وِفاقاً) [النبأ : ٢٦].