والبحيرة ـ بفتح الباء الموحّدة وكسر الحاء المهملة ـ فعيلة بمعنى مفعولة ، أي مبحورة ، والبحر الشقّ. يقال : بحر شقّ. وفي حديث حفر زمزم أنّ عبد المطلب بحرها بحرا ، أي شقّها ووسّعها. فالبحيرة هي الناقة ، كانوا يشقّون أذنها بنصفين طولا علامة على تخليتها ، أي أنّها لا تركب ولا تنحر ولا تمنع عن ماء ولا عن مرعى ولا يجزرونها ويكون لبنها لطواغيتهم ، أي أصنامهم ، ولا يشرب لبنها إلّا ضيف ، والظاهر أنّه يشربه إذا كانت ضيافة لزيارة الصنم أو إضافة سادنه ، فكلّ حيّ من أحياء العرب تكون بحائرهم لصنمهم. وقد كانت للقبائل أصنام تدين كلّ قبيلة لصنم أو أكثر. وإنّما يجعلونها بحيرة إذا نتجت (١) عشرة أبطن على قول أكثر أهل اللغة. وقيل : إذا نتجت خمسة أبطن وكان الخامس ذكرا. وإذا ماتت حتف أنفها حلّ أكل لحمها للرجال وحرم على النساء.
والسائبة : البعير أو الناقة يجعل نذرا عن شفاء من مرض أو قدوم من سفر ، فيقول : أجعله لله سائبة. فالتاء فيه للمبالغة في الوصف كتاء نسّابة ، ولذلك يقال : عبد سائبة ، وهو اسم فاعل بمعنى الانطلاق والإهمال ، وقيل : فاعل بمعنى مفعول ، أي مسيّب.
وحكم السائبة كالبحيرة في تحريم الانتفاع ، فيكون ذلك كالعتق وكانوا يدفعونها إلى السدنة ليطعموا من ألبانها أبناء السبيل. وكانت علامتها أن تقطع قطعة من جلدة فقار الظهر ، فيقال لها : صريم وجمعه صرم ، وإذا ولدت الناقة عشرة أبطن كلّهنّ إناث متتابعة سيّبوها أيضا فهي سائبة ، وما تلده السائبة يكون بحيرة في قول بعضهم. والظاهر أنّه يكون مثلها سائبة.
والوصيلة من الغنم هي الشاة تلد أنثى بعد أنثى ، فتسمّى الأمّ وصيلة لأنّها وصلت أنثى بأنثى ، كذا فسّرها مالك في رواية ابن وهب عنه ، فعلى هذه الرواية تكون الوصيلة هي المتقرّب بها ، ويكون تسليط نفي الجعل عليها ظاهرا. وقال الجمهور : الوصيلة أن تلد الشاة خمسة أبطن أو سبعة (على اختلاف مصطلح القبائل) فالأخير إذا كان ذكرا ذبحوه لبيوت الطواغيت وإن كانت أنثى استحيوها ، أي للطواغيت ، وإن أتأمت استحيوهما جميعا وقالوا : وصلت الأنثى أخاها فمنعته من الذبح ، فعلى هذا التأويل فالوصيلة حالة من حالات نسل الغنم ، وهي التي أبطلها الله تعالى ، ولم يتعرّضوا لبقية أحوال الشاة. والأظهر أنّ الوصيلة اسم للشاة التي وصلت سبعة أبطن إناثا ، جمعا بين تفسير مالك
__________________
(١) نتجت مبني للمفعول وهو يتعدى إلى مفعولين ؛ فأولهما جعل نائب فاعل وثانيهما هو المنصوب.