قوله : (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ) [المائدة : ٥] وقوله في الأعراف [١٥٧] : (وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ). وعن الشافعي : الطيّبات : الحلال المستلذّ ، فكلّ مستقذر كالوزغ فهو من الخبائث حرام. قال فخر الدين : العبرة في الاستلذاذ والاستطابة بأهل المروءة والأخلاق الجميلة ، فإنّ أهل البادية يستطيبون أكل جميع الحيوانات ، وتتأكّد دلالة هذه الآيات بقوله تعالى : (خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) [البقرة : ٢٩] فهذا يقتضي التمكّن من الانتفاع بكل ما في الأرض ، إلّا أنّه دخله التخصيص بحرمة الخبائث ، فصار هذا أصلا كبيرا في معرفة ما يحلّ ويحرم من الأطعمة. منها أنّ لحم الخيل مباح عند الشافعي. وقال أبو حنيفة : ليس بمباح. حجّة الشافعي أنّه مستلذّ مستطاب ، والعلم بذلك ضروري ، وإذا كان كذلك وجب أن يكون حلالا ، لقوله تعالى : (أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ). وفي «شرح الهداية» في الفقه الحنفي لمحمد الكاكي «أنّ ما استطابه العرب حلال ، لقوله تعالى : (وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ) [الأعراف : ١٥٧] ، وما استخبثه العرب حرام ، لقوله : (وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ) [الأعراف : ١٥٧]. والذين تعتبر استطابتهم أهل الحجاز من أهل الأمصار ، لأنّ القرآن أنزل عليهم وخوطبوا به ، ولم يعتبر أهل البوادي لأنّهم يأكلون ما يجدون للضرورة والمجاعة. وما يوجد في أمصار المسلمين ممّا لا يعرفه أهل الحجاز ردّ إلى أقرب ما يشبهه في الحجاز اه. وفيه من التحكّم في تحكيم عوائد بعض الأمّة دون بعض ما لا يناسب التشريع العامّ ، وقد استقذر أهل الحجاز لحم الضبّ بشهادة قوله صلىاللهعليهوسلم في حديث خالد بن الوليد : «ليس هو من أرض قومي فأجدني أعافه» ومع ذلك لم يحرّمه على خالد.
والذي يظهر لي : أنّ الله قد ناط إباحة الأطعمة بوصف الطيّب فلا جرم أن يكون ذلك منظورا فيه إلى ذات الطعام ، وهو أن يكون غير ضارّ ولا مستقذر ولا مناف للدين ، وأمارة اجتماع هذه الأوصاف أن لا يحرّمه الدّين ، وأن يكون مقبولا عند جمهور المعتدلين من البشر ، من كلّ ما يعدّه البشر طعاما غير مستقذر ، بقطع النظر عن العوائد والمألوفات ، وعن الطبائع المنحرفات ، ونحن نجد أصناف البشر يتناول بعضهم بعض المأكولات من حيوان ونبات ، ويترك بعضهم ذلك البعض. فمن العرب من يأكل الضبّ واليربوع والقنافذ ، ومنهم من لا يأكلها. ومن الأمم من يأكل الضفادع والسلاحف والزواحف ومنهم من يتقذّر ذلك. وأهل مدينة تونس يأبون أكل لحم أنثى الضأن ولحم المعز ، وأهل جزيرة شريك يستجيدون لحم المعز ، وفي أهل الصحاري تستجاد لحوم الإبل وألبانها ، وفي أهل الحضر من يكره ذلك ، وكذلك دوابّ البحر وسلاحفه وحيّاته. والشريعة من