قدور المجوس. فقال له : «أنقوها غسلا واطبخوا فيها». وفي البخاري : أنّ أبا ثعلبة سأل رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن آنية أهل الكتاب. فقال له : «إن وجدتم غيرها فلا تأكلوا فيها ، وإن لم تجدوا فاغسلوها ثمّ كلوا فيها». قال ابن العربي : «فغسل آنية المجوس فرض ، وغسل آنية أهل الكتاب ندب». يريد لأنّ الله أباح لنا طعام أهل الكتاب فقد علم حالهم ، وإنّما يسري الشكّ إلى آنيتهم من طعامهم وهو مأذون فيه ، ولم يبح لنا طعام المجوس ، فذلك منزع التفرقة بين آنية الفريقين.
ثم الطعام الشامل للذكاة إنّما يعتبر طعاما لهم إذا كانوا يستحلّونه في دينهم ، ويأكله أحبارهم وعلماؤهم ، ولو كان ممّا ذكر القرآن أنّه حرّمه عليهم ، لأنّهم قد تأوّلوا في دينهم تأويلات ، وهذا قول مالك. وأرى أنّ دليله : أنّ الآية عمّمت طعامهم فكان عمومها دليلا للمسلمين ، ولا التفات إلى ما حكى الله أنّه حرّمه عليهم ثم أباحه للمسلمين ، فكان عموم طعامهم في شرعنا مباحا ناسخا للمحرّم عليهم ، ولا نصير إلى الاحتجاج «بشرع من قبلنا ...» إلّا إذا لم يكن لنا دليل على حكمه في شرعنا. وقيل : لا يؤكل ما علمنا تحريمه عليهم بنصّ القرآن ، وهو قول بعض أهل العلم ، وقيل به في مذهب مالك ، والمعتمد عن مالك كراهة شحوم بقر وغنم اليهود من غير تحريم ؛ لأنّ الله ذكر أنه حرّم عليهم الشحوم.
ومن المعلوم أن لا تعمل ذكاة أهل الكتاب ولا إباحة طعامهم فيما حرّمه الله علينا بعينه : كالخنزير والدم ، ولا ما حرّمه علينا بوصفه ، الذي ليس بذكاة : كالميتة والمنخنقة والموقوذة والمتردّية والنطيحة وأكيلة السبع ، إذا كانوا هم يستحلّون ذلك ، فأمّا ما كانت ذكاتهم فيه مخالفة لذكاتنا مخالفة تقصير لا مخالفة زيادة فذلك محلّ نظر كالمضروبة بمحدّد على رأسها فتموت ، والمفتولة العنق فتتمزّق العروق ، فقال جمهور العلماء : لا يؤكل. وقال أبو بكر ابن العربي من المالكية : تؤكل. وقال في «الأحكام» : فإن قيل فما أكلوه على غير وجه الذكاة كالخنق وحطم الرأس فالجواب : أنّ هذه ميتة ، وهي حرام بالنصّ ، وإن أكلوها فلا نأكلها نحن ، كالخنزير فإنّه حلال لهم ومن طعامهم وهو حرام علينا ـ يريد إباحته عند النصارى ـ ثم قال : ولقد سئلت عن النصراني يفتل عنق الدجاجة ثم يطبخها ؛ هل تؤكل معه أو تؤخذ طعاما منه ، فقلت : تؤكل لأنها طعامه وطعام أحباره ورهبانه ، وإن لم تكن هذه ذكاة عندنا ولكن الله تعالى أباح طعامهم مطلقا وكلّ ما يرونه في دينهم فإنّه حلال لنا في ديننا». وأشكل على كثير من الناظرين وجه الجمع بين كلامي ابن العربي ، وإنّما أراد التفرقة بين ما هو من أنواع قطع الحلقوم ، والأوداج ولو بالخنق ،