منطوق بها.
ومعنى (كَتَبْنا) شرعنا كقوله (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ) [البقرة : ١٨٣]. ومفعول (كَتَبْنا) مضمون جملة (أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً). و (أنّ) من قوله (أَنَّهُ) بفتح الهمزة أخت (إنّ) المكسورة الهمزة وهي تفيد المصدريّة ، وضمير «أنّه» ضمير الشأن ، أي كتبنا عليهم شأنا مهمّا هو مماثلة قتل نفس واحدة بغير حقّ لقتل القاتل النّاس أجمعين.
ووجه تحصيل هذا المعنى من هذا التّركيب يتّضح ببيان موقع حرف (أنّ) المفتوح الهمزة المشدّد النّون ، فهذا الحرف لا يقع في الكلام إلّا معمولا لعامل قبله يقتضيه ، فتعيّن أنّ الجملة بعد (أنّ) بمنزلة المفرد المعمول للعامل ، فلزم أنّ الجملة بعد (أنّ) مؤوّلة بمصدر يسبك ، أي يؤخذ من خبر (أنّ).
وقد اتّفق علماء العربيّة على كون (أنّ) المفتوحة الهمزة المشدّدة النّون أختا لحرف (إنّ) المكسورة الهمزة ، وأنّها تفيد التّأكيد مثل أختها.
واتّفقوا على كون (أن) المفتوحة الهمزة من الموصولات الحرفيّة الخمسة الّتي يسبك مدخولها بمصدر. وبهذا تزيد (أنّ) المفتوحة على (إنّ) المكسورة. وخبر (أنّ) في هذه الآية جملة (مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ) إلخ. وهي مع ذلك مفسّرة لضمير الشأن. ومفعول (كَتَبْنا) مأخوذ من جملة الشّرط وجوابه ، وتقديره : كتبنا مشابهة قتل نفس بغير نفس إلخ بقتل النّاس أجمعين في عظيم الجرم.
وعلى هذا الوجه جرى كلام المفسّرين والنحويين. ووقع في «لسان العرب» عن الفرّاء ما حاصله : إذا جاءت (أنّ) بعد القول وما تصرّف منه وكانت تفسيرا للقول ولم تكن حكاية له نصبتها (أي فتحت همزتها) ، مثل قولك : قد قلت لك كلاما حسنا أنّ أباك شريف ، تفتح (أنّ) لأنّها فسّرت «كلاما» ، وهو منصوب ، (أي مفعول لفعل قلت) فمفسّره منصوب أيضا على المفعوليّة لأنّ البيان له إعراب المبيّن. فالفراء يثبت لحرف (أنّ) معنى التفسير علاوة على ما يثبته له جميع النحويين من معنى المصدريّة ، فصار حرف (أنّ) بالجمع بين القولين دالّا على معنى التّأكيد باطّراد ودالّا معه على معنى المصدريّة تارة وعلى معنى التّفسير تارة أخرى بحسب اختلاف المقام. ولعلّ الفرّاء ينحو إلى أنّ حرف (أنّ) المفتوحة الهمزة مركّب من حرفين هما حرف (إنّ) المكسورة الهمزة المشدّدة النّون ، وحرف (أنّ) المفتوحة الهمزة الساكنة النّون الّتي تكون تارة مصدريّة وتارة تفسيرية ؛ ففتح