الأربعة. وقد يكون الحصر لردّ اعتقاد مقدّر وهو اعتقاد من يستعظم هذا الجزاء ويميل إلى التّخفيف منه. وكذلك يكون إذا كانت الآية غير نازلة على سبب أصلا.
وأيّا ما كان سبب النزول فإنّ الآية تقتضي وجوب عقاب المحاربين بما ذكر الله فيها ، لأنّ الحصر يفيد تأكيد النسبة. والتّأكيد يصلح أن يعدّ في أمارات وجوب الفل المعدود بعضها في أصول الفقه لأنّه يجعل الحكم جازما.
ومعنى (يُحارِبُونَ) أنّهم يكونون مقاتلين بالسّلاح عدوانا لقصد المغنم كشأن المحارب المبادي ، لأنّ حقيقة الحرب القتال. ومعنى محاربة الله محاربة شرعه وقصد الاعتداء على أحكامه ، وقد علم أنّ الله لا يحاربه أحد فذكره في المحاربة لتشنيع أمرها بأنّها محاربة لمن يغضب الله لمحاربته ، وهو الرسول صلىاللهعليهوسلم. والمراد بمحاربة الرّسول الاعتداء على حكمه وسلطانه ، فإنّ العرنيّين اعتدوا على نعم رسول الله صلىاللهعليهوسلم المتّخذة لتجهيز جيوش المسلمين ، وهو قد امتنّ عليهم بالانتفاع بها فلم يراعوا ذلك لكفرهم فما عاقب به الرّسول العرنيّين كان عقابا على محاربة خاصّة هي من صريح البغض للإسلام. ثمّ إنّ الله شرع حكما للمحاربة الّتي تقع في زمن رسول الله وبعده ، وسوّى عقوبتها ، فتعيّن أن يصير تأويل (يُحارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ) المحاربة لجماعة المسلمين. وجعل لها جزاء عين جزاء الردّة ، لأنّ الردّة لها جزاء آخر فعلمنا أنّ الجزاء لأجل المحاربة. ومن أجل ذلك اعتبره العلماء جزاء لمن يأتي هذه الجريمة من المسلمين ، ولهذا لم يجعله الله جزاء للكفّار الّذين حاربوا الرّسول لأجل عناد الدّين ، فلهذا المعنى عدّي (يُحارِبُونَ) إلى (اللهَ وَرَسُولَهُ) ليظهر أنّهم لم يقصدوا حرب معيّن من النّاس ولا حرب صفّ.
وعطف (وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً) لبيان القصد من حربهم الله ورسوله ، فصار الجزء على مجموع الأمرين ، فمجموع الأمرين سبب مركّب للعقوبة ، وكلّ واحد من الأمرين جزء سبب لا يقتضي هذه العقوبة بخصوصها.
وقد اختلف العلماء في حقيقة الحرابة ؛ فقال مالك : هي حمل السلاح على النّاس لأخذ أموالهم دون نائرة ولا دخل ولا عداوة أي بين المحارب ـ بالكسر ـ وبين المحارب ـ بالفتح ـ ، سواء في البادية أو في المصر ، وقال به الشّافعي وأبو ثور. وقيل : لا يكون المحارب في المصر محاربا ، وهو قول أبي حنيفة وسفيان الثوري وإسحاق. والّذي نظر إليه مالك هو عموم معنى لفظ الحرابة ، والّذي نظر إليه مخالفوه هو الغالب في العرف لندرة الحرابة في المصر. وقد كانت نزلت بتونس قضية لصّ اسمه «ونّاس» أخاف أهل