لأنّ ذلك أمكن لحركة بقية الجهد بعد البرء وذلك بأنّ يتوكّأ باليد الباقية على عود بجهة الرّجل المقطوعة.
قال علماؤنا : تقطع يده لأجل أخذ المال ، ورجله للإخافة ؛ لأنّ اليد هي العضو الّذي به الأخذ ، والرّجل هي العضو الّذي به الإخافة ، أي المشي وراء النّاس والتعرّض لهم.
والنّفي من الأرض : الإبعاد من المكان الّذي هو وطنه لأنّ النّفي معناه عدم الوجود. والمراد الإبعاد ، لأنّه إبعاد عن القوم الّذين حاربوهم. يقال : نفوا فلانا ، أي أخرجوه من بينهم ، وهو الخليع ، وقال النّابغة :
ليهنئ لكم أن قد نفيتم بيوتنا
أي أقصيتمونا عن دياركم. ولا يعرف في كلام العرب معنى للنّفي غير هذا. وقال أبو حنيفة وبعض العلماء : النّفي هو السجن. وحملهم على هذا التأويل البعيد التفادي من دفع أضرار المحارب عن قوم كان فيهم بتسليط ضرّه على قوم آخرين. وهو نظر يحمل على التّأويل ، ولكن قد بيّن العلماء أنّ النّفي يحصل به دفع الضرّ لأنّ العرب كانوا إذا أخرج أحد من وظنه ذلّ وخضدت شوكته ، قال امرؤ القيس :
به الذئب يعوي كالخليع المعيّل
وذلك حال غير مختصّ بالعرب فإنّ للمرء في بلده وقومه من الإقدام ما ليس له في غير بلده. على أنّ من العلماء من قال : ينفون إلى بلد بعيد منحاز إلى جهة بحيث يكون فيه كالمحصور. قال أبو الزناد : كان النّفي قديما إلى (دهلك) وإلى (باضع) (١) وهما جزيرتان في بحر اليمن.
وقد دلّت الآية على أمرين : أحدهما : التخيير في جزاء المحاربين ؛ لأنّ أصل (أو) الدلالة على أحد الشيئين أو الأشياء في الوقوع ، ويقتضي ذلك في باب الأمر ونحوه التخيير ، نحو (فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ) [البقرة : ١٩٦]. وقد تمسّك بهذا الظّاهر جماعة من العلماء منهم مالك بن أنس ، وسعيد بن المسيّب ، وعطاء ، ومجاهد ، والنخعي،
__________________
(١) دهلك ـ بفتح الدّال المهملة وسكون الهاء وفتح اللام ـ جزيرة بين اليمن والحبشة. وباضع ـ بموحّدة في أوّله وبكسر الضّاد المعجمة ـ جزيرة في بحر اليمن.