ومعلوم أنّ الأفعال المستقبلة الكثيرة وضمائر الجمع المتعدّدة ولفظ الاستخلاف والتمكين والخوف والأمن والعبادة وغير ذلك من التصريحات والتلويحات ، لاتستقيم إلا في الرجعة ، وأيّ خوف وأمن واستخلاف وتمكين وعبادة يمكن نسبتها إلى الميّت بسبب تملّك شخص من أولاد أولاده بعد أحد عشر بطناً ، والتصريحات في الأحاديث الآتية تزيل كلّ شكّ وشبهة.
الثالثة : قوله تعالى ( وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ ) (١).
وهذه أوضح ممّا قبلها ؛ لأنّها تدلّ على أنّ المنّ على الجماعة المذكورين وجعلهم أئمّة وارثين ، والتمكين لهم في الأرض وحذر أعدائهم منهم ، كلّه بعد ما استضعفوا في الأرض ، وهل يتصوّر لذلك مصداق إلا الرجعة ، وهل يجوز التصدّي لتأويلها وصرفها عن ظاهرها ودليلها بغير قرينة ، وضمائر الجمع وألفاظه في المواضع الثمانية يتعيّن حملها على الحقيقة ، ولا يجوز صرفها إلى تأويل بعيد ولا قريب ، إلا أن يخرج الناظر فيها عن الإنصاف ، ويكذّب الأحاديث الكثيرة المتواترة التي يأتي بعضها في تفسير الآية (٢) والإخبار بالرجعة.
الرابعة : قوله تعالى ( وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الأرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لاَ يُوقِنُونَ ) (٣).
فإنّ ظاهرها أنّ تلك الدابّة تخرج من الأرض ؛ لأنّ الأصل عدم التقدير والإضمار ، وأنّها تكلِّم الناس وأنّها حجّة عليهم ، وإلا لكان كلامها لهم عبثاً لا يجب قبوله ، خصوصاً مع ملاحظة قوله تعالى ( وَإذَا وَقَعَ القَوَلُ عَلَيْهِم ) ويؤيّد
__________________
١ ـ سورة القصص ٢٨ : ٥ ـ ٦.
٢ ـ في « ك » : تفسيرها. بدل من : تفسير الآية.
٣ ـ سورة النمل ٢٧ : ٨٢.