الاُولى قبل الإقبار ، والثانية بعده ، وهذا أيضاً باطل من وجه آخر ، وهو أنّ الحياة للمسألة ليس للتكليف (١) ، فيندم الإنسان على ما فاته في حاله ، وندم القوم على ما فاتهم في حياتهم المرّتين يدلّ على أنّه لم يرد حياة المسألة ، لكنّه أراد حياة الرجعة التي تكون لتكليفهم (٢) الندم على تفريطهم فلا يفعلون ذلك ، فيندمون يوم العرض على ما فاتهم من ذلك.
والرجعة عندنا تختصّ بمن محض الإيمان ومحض الكفر ، دون من سوى هذين الفريقين ، فإذا أراد الله تعالى على ما ذكرناه أوهم الشياطين أعداء الله عزّ وجلّ أنّهم إنّما ردّوا إلى الدنيا لطغيانهم على الله ، فيزدادوا عتوّاً ، فينتقم الله منهم بأوليائه ، ويجعل لهم الكرّة عليهم ، فلا يبقى منهم إلا من هو مغموم بالعذاب ، وتصفو الأرض ويكون الدين لله.
وقد قال قوم : كيف يعود (٣) الكفّار بعد الموت إلى طغيانهم وقد عاينوا عذاب البرزخ؟ فقلت : ليس ذلك بأعجب من الكفّار الذين يشاهدون العذاب فيقولون ( يَالَيْتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) (٤) فقال الله تعالى ( وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ ) (٥) فلم يبق للمخالف بعد هذا شبهة يتعلّق بها (٦).
وقال (٧) الشيخ المفيد أيضاً في جواب مسائله عن الرجعة : وعمّن يرجع فيها محمّد صلىاللهعليهوآله وأهل بيته ، واُمّته الذين محض الإيمان والكفر ، دون من سلف من
__________________
١ ـ في « ح » : لا للتكليف.
٢ ـ في « ح » : لتكليف ، وفي « ش » : لتكلّفهم.
٣ ـ في « ح » : يرد.
٤ و ٥ ـ سورة الأنعام ٦ : ٢٧ و ٢٨.
٦ ـ المسائل السروية : ٣٢ ـ ٣٦ ( ضمن مصنّفات المفيد ج ٧ ) باختلاف.
٧ ـ من هنا إلى آخر قول المفيد. أثبتناه من نسخة « ح ».