وليس فيما سواهما ما يدل على ذلك ، فاكتفى بخطاب واحد ، والعلم عند الله (١).
١٠٢ ـ قوله : (لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ) (٤٢) ، فى هذه السورة ، وفى الأعراف : (يَضَّرَّعُونَ) (٩٤) ، بالإدغام ، لأن هاهنا وافق ما بعده ، وهو قوله : (جاءَهُمْ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا) (٤٣) ، ومستقبل تضرعوا : يتضرعون لا غير.
١٠٣ ـ قوله : (انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ) «٤٦ ، ٦٥» مكرّر ، لأن التقدير : انظر كيف نصرف الآيات ثم هم يصدفون عنها ، فلا تعرض عنهم ، بل تكررها لهم لعلهم يفقهون.
١٠٤ ـ قوله : (قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ) (٥٠) ، فكرّر (لَكُمْ) ، وقال فى هود : (وَلا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ) (٣١) فلم يكرر (لَكُمْ) ، لأن فى هود تقدم : (إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ) (٢٥) ، وعقبه (وَما نَرى لَكُمْ) (٢٧).
__________________
(١) بيان ذلك أن ترادف الخطابين (التاء ، والكاف) لا يكونان إلا عند المبالغة فى التنبيه ، والمبالغة فيه : أن يعلم المخاطب ألا تنبيه بعده ، وما يتصل بقوله : (أَرَأَيْتَكُمْ) فى الموضعين كلام بدل على أنه إذا وقع لم ينفع عنده الزجر والتنبيه. فإتيان العذاب ، أو قيام الساعة فى الموضع الأول وإتيان عذاب الله بغتة أو جهرة فى الموضع الثانى لا ينفع عنده تنبيه ولا زجر ، ولذلك تناهت الآية فى التخويف فترادف الخطابان معا.
أما ما اقتصر فيه على خطاب واحد ففي الأنعام : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصارَكُمْ وَخَتَمَ عَلى قُلُوبِكُمْ) [٤٦] ، وفى يونس : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُهُ بَياتاً أَوْ نَهاراً ما ذا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ) [٥٠]. فى الأنعام لم يهدد الله الكافرين بالاستئصال ، وفى يونس لا يوجد ما يدل على التهديد بالاستئصال ، لأن قبلها : (وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ). فهم لا يخافون ، وقوله : (ما ذا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ) دليل على عدم التصريح بالاستئصال حتى ينذر بأقصى أدوات الإنذار. وهذا من أسرار إعجاز القرآن ، لأنه ليس من دأب البشر الدقة البالغة فى ملاحظة الملابسات ، ومناسبة الكلمات والحروف للحالة النفسية للمخاطبين على هذا الوجه العجيب الذى لا يمكن أن يخطئه القرآن الكريم المعجز العالمين حقّا.