إِلَّا قالَ مُتْرَفُوها إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ) (١) ، والملأ الذين استكبروا والذين أترفوا ، هم أئمة العناد ، ودعاة الجحود والكفر فى كل ملة إلهية كما بيّن ذلك القرآن الكريم.
لم يكن البيان والوضوح فى تبليغ الدعوة إذن كافيا لقطع الحجة الكافرة ، وإقناع أنواع المدعوين إلى الشرائع على اختلاف أفهامهم ومداركهم وميولهم وشواكلهم ، بل إن البيان الواضح كاف لإقناع من رق حجاب الشهوة عن قلبه وبصيرته ، واستعلى عقله على هدى نفسه دون سواه من غلاظ القلوب والرقاب .. أما هؤلاء الغلاظ فلم يستجيبوا للبيان ، ولم يتخاذلوا أمام الوعيد بالهلاك فى الدنيا ولا فى الآخرة ، ولم تلن قلوبهم أمام دلائل الصدق الواضحة فى شخصيات رسل الله ، فراحوا يطالبون رسلهم بآيات ودلائل تدل على أنهم صادقون فى البلاغ عن إله غير منظور ولا مدرك بالحواس ، ولن تكون المطالبة بتلك الدلائل إلّا نوعا من التحدى الموجه للرسل أن يثبتوا للكفرة أن هناك شيئا وراء الحواس ، أو قانونا علميّا يعمل فى الكون غير القوانين التى ألفوها من خلال السبب والنتيجة فى عالم المحسوس المادى الذى يمارسونه فى حياتهم.
وكانت ناقة صالح ، وعصا موسى وبقية آياته التسع ، وإحياء الموتى على يد عيسى ـ عليهم الصلاة والسلام ـ آيات مؤيدات لبيان اللسان وحجة العقل ، وتحديا لأهل العناد بأن قوة عظمى تحكم الكون غير قوة المادة ، وبأن قانون السبب والنتيجة المحسوس والمألوف ليس إلّا أدنى مراتب السبب والنتيجة ظهورا للإنسان فى عالمه المادى الذى أمر أن يمارسه على هدى من الإيمان المطلق ، حتى يستقيم العمران ، وتتحقق خلافة الإنسان لربه الأعلى.
ولما لم تجد تلك الآيات والدلائل الواضحة على سلطان الله تعالى
__________________
(١) سورة سبأ : ٣٤.