وملكه المطلق للكون فى هداية هؤلاء المعاندين كانت مرحلة أخرى من مراحل الدعوة هى الوعيد بالخراب والدمار وتدمير الحضارة القائمة حينما أضربوا صفحا عن الوعيد بالهلاك فى الآخرة .. وقد حدث ذلك بالفعل فى تاريخ الديانات ، فكانت وسائل العمران هى بعينها وسائل الدمار والخراب .. فالماء الذى جعله الله سببا للحياة والنماء كان طوفانا أغرق قوم نوح ، والرياح اللواقح المنظمة لوسيلة الرخاء من السحاب والمطر كانت عقيما ، ما تذر من شىء أتت عليه فى قوم هود (عاد) إلّا جعلته رميما ، وتركتهم (صَرْعى كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ) (١). وكان ميزان الجاذبية ، والوزن الحق لانسياب الكهربية اللذان قدرهما الله تقديرا يحفظ على الناس منافعهم ، هما سبب الدمار ممثلا فى الصيحة ، والرجفة ، والخسف إلى غير ذلك مما لا تنكره وقائع التاريخ ، وما هو مسطور فى الكتاب المبين.
ولم يسفر ضياء الرسالة المحمدية الخاتمة إلّا والتراث الدينى مسطور فى الكتاب الكريم بأفصح بيان وأوضحه ، بحيث لا يعجز عن إدراكه أقل الناس فهما ووعيا ، داعيا إلى أن : الكون غيب وشهادة ، الله حاكم على الغيب والشهادة ، قادر على تدمير كل مشهود ومحسوس كما هو قادر على بركته ونمائه وازدهاره إذا كان هناك قبس من النور فى قلوب الناس يرقى بهم على التدبر والتأمل إلى الإيمان بكل مغيب عن المدارك من حقائق الوجود ، وبالله حاكما رحيما بالمؤمنين ، قاهرا للجاحدين .. وكانت كلمة قد سبقت من الله تعالى بألّا يكون خسف ولا رجف ولا مسخ ، حتى تتحقق عالمية الرسالة على مدى الزمان على نور هذا البيان القرآنى الذى لم يفتر عن لفت الأنظار إلى التواريخ السابقة ، وإلى الأمم ذات القوى الهائلة ، وكيف انتهى بها العناد إلى الدمار والهلاك هنا فى الدنيا قبل الآخرة.
__________________
(١) سورة الحاقة : ٧.