محمود العقاد ، والأستاذ محمد الغمراوى ، رحمهمالله جميعا.
والذى يسترعى الانتباه أن العلماء على ما لهم من الاقتدار وسعة المعرفة وقفوا هم الآخرون مبهورين أمام إعجاز القرآن ، فراحوا يرددون وجوها عامة وغير محدودة أحيانا ، كقولهم : إن الإعجاز فى جودة الرصف ، وحسن النظم ، وما أشبه ذلك من الصفات العامة التى لا تكشف عن وجه الإعجاز فى جودة الرصف ، ولا حسن النظم. وأحيانا أخرى ذكروا وجوها قالوا : إنه لا يمكن وصفها ، كما قال السكاكى فى مفتاح العلوم : «إعجاز القرآن يدرك ولا يمكن وصفه ، كاستقامة الوزن تدرك ولا يمكن وصفها ، وكالملاحة ، وكما يدرك طيب النغم العارض لهذا الصوت ، ولا يدرك تحصيله لغير ذوى الفطرة السليمة إلّا بإتقان علمى المعانى والبيان والتمرين فيهما».
فإذا كانت تلك المحاولات تنطق بالعجز عن إدراك وجوه الإعجاز ، فقد صرح بعض العلماء بهذا العجز. قال أبو حيان التوحيدى فى (المقابسات) : «سئل بندار الفارسى عن موضع الإعجاز فى القرآن؟ فقال : هذه مسألة فيها حيف على المعنى ، وذلك أنه شبيه بقولك : ما موضع الإنسان من الإنسان .. فالقرآن لشرفه لا يشار إلى شىء فيه إلّا وكان المعنى آية فى نفسه ، ومعجزة لمحاوله ، وهدى لقائله ، وليس فى طاقة البشر الإحاطة بأغراض الله فى كلامه ، وأسراره فى كتابه ، فلذلك حارت العقول وتاهت البصائر».
وقد قرر أبو سليمان الخطابى عجز جمهور العلماء عن إبراز تفاصيل وجوه الإعجاز فقال فى كتابه (بيان إعجاز القرآن) : «ذهب الأكثرون من علماء النظر إلى أن وجه الإعجاز من جهة البلاغة ، لكن صعب عليهم تفصيلها ، وصغوا فيه إلى حكم الذوق».
ومع ذلك فقد كان الإعجاز البلاغى للقرآن سببا فى زلل الرأى عند المفسر الكبير ابن عطية شيخ القرطبى إذ قال بعد كلام طويل فى مقدمة